الثورة – علا محمد
يشهد محيط جامعة دمشق ازدحاماً لافتاً أمام مكتبات الطباعة، حيث يقف الطلاب يومياً للحصول على نسخ ورقية من المحاضرات وملفات الـPDF التي باتت الخيار الإلزامي في ظلّ غياب الكتاب الجامعي.
هذا المشهد أصبح جزءاً من الحياة الجامعية في دمشق، ويطرح تساؤلات حول أسباب تراجع حضور الكتاب الورقي رغم استمرار حاجة الطلاب إليه.
طلاب بين غياب الكتاب وتكاليف الطباعة
يؤكد عدد من طلاب جامعة دمشق أنهم يواجهون صعوبات متزايدة في الاعتماد على الكتاب الجامعي، وفي هذا السياق يقول الطالب في كلية العلوم السياسية، يحيى ناعمة: إن الكتاب يبقى وسيلة الدراسة الأكثر وضوحاً، لكن عدم توفره يدفع إلى طباعة النسخ الإلكترونية بتكاليف مرتفعة ترهق الطلاب وتشتت تركيزهم.
في المقابل، تعتبر الطالبة مها العوض أن الملخصات والمحاضرات الموزعة في المكتبات أقرب إلى طريقة شرح المدرس، وتقدّم المادة العلمية بشكل مباشر ومقسّم، ما يجعلها أكثر فاعلية من الكتاب التقليدي، حسب رأيها.
وفي كلية الاقتصاد، يؤكد الطالب محمد المصطفى أن غياب الكتاب دفعه إلى طباعة ملفات PDF بشكل شبه يومي رغم ارتفاع التكلفة، موضحاً أن الدراسة الورقية تبقى أكثر راحة مقارنة بالقراءة عبر الهاتف أو الشاشة لفترات طويلة.
مكتبات الجامعة: أزمة كتاب وأساليب تدريس
من زاوية أخرى، يشير زكريا بادنكجي، صاحب إحدى المكتبات، إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بتوفر الكتب بل بطريقة إعدادها، إذ غالباً ما تكون الكتب الجامعية سردية وطويلة مقارنة بالمحاضرات المختصرة والواضحة، وهي ما يفضله معظم الطلاب.
ويضيف أن نسبة كبيرة من الطلاب يعملون بالتزامن مع الدراسة، ما يحدّ من حضورهم إلى المحاضرات ويجعلهم يعتمدون على الملفات المتوفرة في المكتبات، مشيراً إلى أن أداء بعض الأساتذة داخل القاعات، من حيث السرعة وقلة الأمثلة، يدفع الطلاب إلى الاستغناء عن الكتاب واللجوء إلى الملخصات.
أما فيما يخص الأسعار، فيوضح أن ارتفاع تكلفة الورق ليس السبب الوحيد، بل تلعب إيجارات المحال وتكاليف اليد العاملة والحبر والكهرباء دوراً أساسياً في رفع سعر الطباعة.
الرقمنة ممكنة.. ولكن
يرى الدكتور جمعة السهو، أستاذ القانون الدولي في كلية العلوم السياسية بدمشق، أن اعتماد الطلاب على الملخصات يختلف من كلية إلى أخرى ويرتبط بأسلوب الأستاذ ومدى التزام الطالب بالحضور، مضيفاً أن انتشار المكتبات يسهم في تعزيز ظاهرة الملخصات، خصوصاً لدى الطلاب الذين لا يواظبون على حضور المحاضرات.
ويشير السهو إلى توجه جامعة دمشق منذ سنوات نحو الاعتماد على النسخ الإلكترونية لتخفيف تكلفة الطباعة، لكنّه يشدد على أن الكتاب الورقي يظل الأكثر فاعلية في الاستيعاب والتحليل.
واقترح السهو نشر نسخ إلكترونية محدثة عبر مواقع الكليات وتشكيل مجموعات رسمية للطلاب لتزويدهم بالإصدارات الجديدة، مع التحذير من الاعتماد الكامل على الملخصات التي قد تفتقر إلى الدقة العلمية.
عودة محدودة للطباعة
أكد مدير الكتب والمطبوعات في جامعة دمشق، خليل مجاهد حاج بكري، أن قراراً صدر عام 2023 بإيقاف الطباعة الورقية إلا بموافقة مسبقة من رئيس الجامعة، إلا أنه جرى السماح بالطباعة من جديد هذا الفصل استجابة لطلبات عدة كليات.
وأشار إلى أن الطباعة الحالية تتم بأعداد محدودة تتراوح بين 300 و500 نسخة لكلّ عنوان، وفق احتياجات الكليات ومراكز البيع، مؤكداً عدم وجود تأخير في ضخ الكتب، مضيفاً أن الجامعة نشرت نحو 3100 مقرر إلكتروني على موقعها بالتعاون مع مديرية النظم لتعويض النقص.
الجامعة تطبع بخسارة!
فيما يتعلق بالتسعير، يقول حاج بكري : إن الجامعة تطبع الكتب “بخسارة كبيرة” لأن الأسعار لم تُعدل منذ ثلاث أو أربع سنوات رغم ارتفاع التكاليف، وقد رُفع كتاب رسمي إلى وزارة التعليم العالي لإعادة التسعير، وكلفت لجنة خاصة لإقرار الأسعار الجديدة بما يناسب السوق، مع التأكيد أن الكتاب الجامعي سيبقى أوفر بكثير من طباعته في المكتبات حتى بعد تعديل الأسعار.
ختاماً، تتعدد أسباب الأزمة بين غياب الكتاب الورقي، والمناهج المطولة، وتكلفة الطباعة، وطرق التدريس، وظروف الطلاب، لكن الجميع يتفق على أن معالجة المشكلة ضرورة ملحّة لضمان بيئة تعليمية واضحة وعادلة تدعم التحصيل الجامعي بعيداً عن الاعتماد المفرط على الملخصات.