الثورة – أحمد عبد الحكيم علي :
مع اقتراب فصل الشتاء، يتجدد في ريف دمشق مشهد المعاناة الذي يرافق السكان عاماً بعد عام، حيث يتحول الطقس البارد إلى عبء يومي يفاقم هشاشة الظروف المعيشية ويكشف ضعف البنية التحتية في العديد من البلدات.
ولا يقتصر تأثير الشتاء على مشكلات البيئة والخدمات، بل يمتد ليزيد من أعباء الأسر التي تعاني أصلاً من محدودية الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
ومع ارتفاع أسعار مواد التدفئة، تصبح المدفأة رفاهية يصعب الوصول إليها، فيما تتضاعف المخاوف مع كل موجة برد تضرب المنطقة.
وتبرز في العديد من القرى شكاوى متكررة من تدهور البنية الخدمية، إذ تتحول بعض الشوارع إلى “مستنقعات” مع أولى زخات المطر، ما يعيق حركة السكان ويتسبب بعزل بعض المناطق لساعات طويلة.
من ممرات إلى “مستنقعات”
مع أولى زخات المطر، تتحول طرقات القرى في بعض مناطق المحافظة إلى مساحات موحلة تعيق حركة السكان وتحدّ من تنقلهم اليومي.
وتختلف شدة هذا المشهد من بلدة إلى أخرى.
ففي زاكية، يقف أبو محمد أمام منزله متأملاً الطريق الذي غمرته المياه بعد هطول الأمطار، ويقول لصحيفة “الثورة”: “كل شتاء تتكرر المعاناة، لا نستطيع الوصول إلى المدرسة أو السوق.
الطريق أمام بيتي يتحول إلى مجرى مائي، والسيارة لا يمكنها التقدم.
ننتظر أن تجف الأرض لنخرج، وكأننا نعيش خارج الزمن”.
وفي العديد من بلدات ريف دمشق لا توجد شبكة صرف صحي منظمة، ما يجعل المياه الآسنة تتجمع في الحفر وتختلط بمياه الأمطار، مكوّنة تجمعات مائية تنبعث منها روائح مزعجة.
أم علاء من بلدة النشابية، وهي أم لثلاثة أطفال، تصف الوضع لصحيفة “الثورة” قائلة: “الرائحة خانقة، والماء يدخل إلى البيت من أسفل الباب.
أطفالي يمرضون باستمرار، ولا يوجد طبيب قريب. نعيش مع هذه المشكلة كل شتاء”.
التدفئة رفاهية لا تصل للجميع
مع انخفاض درجات الحرارة، تصبح التدفئة ضرورة يومية، خاصة في المناطق الريفية المعروفة ببرودة شتائها، لكن نقص المحروقات وارتفاع أسعارها يزيدان العبء على الأسر.
خلال جولة لصحيفة “الثورة” في منطقة بيت سحم، تحدث أبو يزن، وهو أب لأربعة أطفال، قائلاً: “نعمل طوال اليوم لتغطية نفقات البيت، وهي بالكاد تكفي.
ومع قدوم البرد أصبح تأمين مازوت التدفئة عبئاً إضافياً.
أحياناً أجد نفسي أمام خيارين: إما طعام أطفالي أو تدفئتهم.
نلجأ للحطب أحياناً، لكن سعره ارتفع أيضاً”.
في منزله، يجلس الأطفال حول مدفأة كهربائية صغيرة تتوقف عند انقطاع الكهرباء المتكرر، فيما تتسرب الرياح الباردة من النوافذ القديمة.
الملابس الثقيلة قليلة، والبطانيات بسيطة، لتبقى التدفئة حلماً مؤجلاً.
وخلال السنوات الماضية، ارتفعت أسعار المحروقات إلى مستويات تفوق قدرة معظم الأسر، حتى أصبح ليتر المازوت عبئاً يصعب تحمله.
أم سامر، وهي أرملة تعيش مع أطفالها الثلاثة في منزل متواضع، تروي لصحيفة “الثورة” جانباً من معاناتها: “أغلق النوافذ بالنايلون، وألبس أطفالي طبقات من الملابس القديمة.
لا نملك مدفأة، ولا نستطيع شراء مستلزمات إضافية.
ننام أحياناً ونحن نشعر بالبرد.
المدافئ في السوق أسعارها مرتفعة، والحطب صار مكلفاً، بينما يلجأ كثيرون إلى جمع بقايا الأخشاب أو الكرتون لإشعال نار بسيطة تخفف برد الليل”.
كذلك لا يصل الأطفال في بعض مناطق ريف دمشق إلى مدارسهم بسهولة، فمع أول هطول للمطر يصبح الطريق موحلاً وصعباً، وفي بعض الأحيان غير آمن.
الجهات المعنية.. غائبة أم متغافلة؟
ورغم تكرار هذه المعاناة كل شتاء، لا تزال الحلول الجذرية غائبة، في ظل محدودية الموارد وتراكم الأزمات.
يقول أبو عدنان، أحد وجهاء بلدة دير العصافير: “نرفع الشكاوى كل عام ولا نلقى استجابة.
يزورنا المسؤولون في الصيف، ثم ينصرفون دون متابعة.
نحن نحتاج إلى طرق صالحة، وصرف صحي، ووسيلة تدفئة تحافظ على أبسط مقومات الحياة”.
وتبذل البلديات في ريف دمشق جهودها ضمن الإمكانات المتوفرة لمعالجة مشكلات الطرق والصرف الصحي، إلا أن حجم التحديات يفوق قدراتها.
فضعف الموازنات وغياب الدعم الكافي يؤديان إلى بطء في إنجاز الأعمال الأساسية.
رئيس بلدية الحسينية بريف دمشق، المهندس يوسف ذيب، يوضح لصحيفة “الثورة” قائلاً: “البلديات تعمل ضمن إمكانات محدودة جداً، وغالباً لا تكفي الموازنات حتى للصيانة الطارئة.
هناك مشاريع متوقفة منذ سنوات بسبب نقص التمويل.
نرفع تقارير دورية للمحافظة، لكن الاستجابة تحتاج وقتاً.
كما أن الضغط السكاني الكبير زاد من تدهور البنية التحتية، في حين لا تكفي الكوادر والآليات المتاحة لتغطية الحاجة”.
ويضيف ذيب أن معالجة هذه التحديات تتطلب خطة دعم شاملة وتوفير آليات وكوادر إضافية من المحافظة والوزارات المعنية، مؤكداً أن العمل البلدي وحده لا يمكنه مواجهة هذا الكم من الاحتياجات المتراكمة.