الثورة – نيفين أحمد :
بدأ الحديث عن “خطة الـ28 نقطة” بعد تداول وثيقة مسربة تضمنت خطوطاً أولية لمقترح يهدف إلى فتح مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف.
الوثيقة لم يعلن عنها رسمياً، لكن التسريب أثار نقاشاً واسعاً، خصوصاً أنها ظهرت تزامناً مع مباحثات تجري بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في جنيف بمشاركة مراقبين أوروبيين.
وتشمل الخطة التي وضعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، “تأكيد” سيادة أوكرانيا مع “إبرام اتفاقية عدم اعتداء شاملة بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا”، مع “ضمانات أمنية” قوية أو موثوقة لكييف، والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في غضون 100 يوم.
إدارة الرئيس ترامب أوضحت أن الوثيقة ليست نهائية، وأنها بمثابة ورقة إطار جرى إعدادها على مدى أسابيع شارك فيها وزير الخارجية ماركو روبيو وفريق عمل يضم المبعوث ستيف ويتكوف.
وبحسب تصريحات روبيو، فإن النسخة المسربة تعتمد على “مدخلات أميركية بالدرجة الأولى”، أضيفت إليها ملاحظات من الطرفين الروسي والأوكراني بهدف صياغة “أرضية يمكن البناء عليها”.
واعتبرت واشنطن أن هذا النوع من الوثائق هو مقدمة لتحديد نقاط التفاوض الأساسية قبل الانتقال إلى الصيغة الرسمية، وهي مقاربة سبق أن استخدمتها في مباحثات دولية سابقة، بما فيها المفاوضات الأميركية-الصينية خلال قمة ألاسكا 2021 التي أرست حينها مبادئ “نقاش غير مباشر” قبل الانتقال إلى تفاهمات صريحة.
بداية الجدل
الجدل انفجر في مؤتمر الأمن الدولي في هاليفاكس بكندا، إذ أعلن عدد من أعضاء مجلس الشيوخ أن روبيو أبلغهم بأن الوثيقة لم تكن مبادرة أميركية بالكامل.
السيناتور الجمهوري مايك راوندز قال: إن “الاقتراح تسلمه ممثل أميركي من جهة غير أميركية”، وإن الوثيقة “لا تعبر عن رؤية واشنطن”.
السيناتور أنغوس كينغ ذهب أبعد من ذلك حين وصف الوثيقة بأنها “نسخة معدلة من مطالب موسكو”، أما جين شين فاعتبرت أن بعض البنود تمثل “تحولاً غير مألوف” في الموقف الأميركي.
النقاط التي أثارت الجدل شملت: خفض حجم الجيش الأوكراني، التفاوض على خطوط التماس بدلاً من استعادة الحدود، وضع قيود على انضمام كييف إلى الناتو، والإشارة إلى ترتيبات أمنية طويلة المدى مع روسيا.
هذه البنود تحديداً اعتبرت من قبل بعض المشرعين الأميركيين أقرب إلى الطروحات الروسية منها إلى الموقف التقليدي لواشنطن.
الرد الأميركي
أمام موجة الانتقادات نشر روبيو عبر منصة “إكس”، مؤكداً أن الخطة “أميركية بالكامل” وأنها “قيد النقاش والتعديل المستمر”، وأوضح أن الوثيقة أخذت بعين الاعتبار ملاحظات من الطرفين الروسي والأوكراني “مثل أي خطة تفاوضية تبنى وفق ما يطرحه كل طرف”.
كما وصف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، تومي بيغوت، الاتهامات بأنها “غير صحيحة على الإطلاق”، وأكد أن الوثيقة لم تصغ من خارج المؤسسات الأميركية، بل أنها تمثل “ورقة أولى” وضعتها فرق مشتركة في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.
وتصرّ واشنطن على أن الهدف من المقترح هو منع اتساع الحرب، بالتوازي مع اختبار فرص العودة إلى المسار الدبلوماسي.
تصريحات الرئيس ترامب
ترامب نفسه تناول الوثيقة في تصريحات مختصرة عبر وسائل التواصل قائلاً: إنها “مجرد إطار عمل” وإنه “يسعى إلى سلام سريع”، لكنه شدد على أنها ليست النسخة النهائية ولن تصبح رسمية إلا بعد استكمال التفاوض مع الجانب الأوكراني.
وأضاف: إن واشنطن تعمل على بلورة صيغة “يمكن أن تعرض رسمياً، إذا سمحت الظروف السياسية، مشيراً إلى أن فريقه يراجع يومياً ملاحظات كييف حول البنود.
وكان الرئيس الأميركي قد اتهم القيادات الأوكرانية بـ”عدم الامتنان” للجهود التي تبذلها واشنطن لإنهاء الحرب، قائلاً في منشور على منصة تروث سوشيال إن “القيادة الأوكرانية لم تظهر أي تقدير لجهودنا”.
ووفقاً لصحيفة “نيويورك بوست” الأميركية وشبكة “NBC” الأميركية، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريحاته الثانية للصحافة اليوم أن المفاوضين حققوا “يوماً جيداً جداً” وتم إحراز “تقدم هائل” في محادثات إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأشار إلى أن روسيا ما زالت منفتحة على المفاوضات، لكنها ترى أن أي حوار يجب أن يستند إلى الأسس التي تم التوافق عليها في قمة ألاسكا بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب الصيف الماضي.
ردود فعل أوكرانيا والدول الأوروبية، كييف من جهتها تعاملت بحذر مع الوثيقة، مسؤولون أوكرانيون اعتبروا أن بعض البنود “تحتاج إلى توضيحات”، خصوصاً تلك التي تتعلق بالتسوية الإقليمية وتقليص حجم الجيش.
كما أكدت الحكومة الأوكرانية أن أي مبادرة تفاوضية يجب أن تحافظ على السيادة الكاملة، وعدم الاعتراف بالأمر الواقع في المناطق التي تسيطر عليها روسيا.
في المقابل قال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في منشور جديد على مواقع التواصل الاجتماعي: إن روسيا هي من بدأت الحرب وترفض إنهاءها وتسعى إلى الحفاظ على قدرتها على مواصلة القتال “وليس فقط ضد أوكرانيا”.
وقال زيلينسكي على منصّة “إكس”: “لا بدّ من وقف إراقة الدماء ويجب أن نضمن عدم اشتعال الحرب مجدداً.
أنا في انتظار نتائج المحادثات وآمل أن يكون جميع المشاركين إيجابيين.
جميعنا بحاجة إلى نتيجة إيجابية”.
بدوره رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالخطّة كأساس للتسوية، معتبراً إياها “منصفة”.
أوروبيا تباينت المواقف، فبعض العواصم أبدت ارتياحاً لعودة واشنطن إلى طاولة الوساطة، بينما رجحت مصادر دبلوماسية أن تقوم دول أوروبية بإعداد “نسخ بديلة” يمكن مقارنتها بالمقترح الأميركي بهدف تشكيل إطار دولي موحد.
ووفق وكالة “رويترز” قدّم الأوروبيون وثيقة مساء أمس الأحد، إذ إن القوى الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) هي صاحبة الاقتراح، وقدّمت نسخة معدلة من خطّة الولايات المتحدة للسلام في أوكرانيا ترفض فيها القيود المقترحة على القوات المسلحة الأوكرانية والتنازلات المرتبطة بالأراضي.
وتقترح الوثيقة التي أعدت للمحادثات بشأن الخطّة في جنيف أن يكون الحدّ الأقصى للقوات المسلحة الأوكرانية 800 ألف جندي “في وقت السلم” بدلاً من الحدّ الأقصى الشامل البالغ 600 ألف الذي اقترحته الخطّة الأميركية.
وتنص أيضاً على أن “المفاوضات بشأن تبادل الأراضي ستبدأ من خط التماس” بدلاً من التحديد المسبق بضرورة الاعتراف بمناطق معينة “بحكم الأمر الواقع” كما تقترح الخطّة الأميركية.
محاور الخطّة المسرّبة
رغم أن الوثيقة لم تنشر رسمياً فإن ما تسرّب منها يشير إلى أربعة مسارات رئيسية:
وقف إطلاق النار وترتيبات أمنية بإشراف دولي، مع ترتيبات أمنية تراقبها دول ثالثة لضمان عدم خرق الاتفاق.
وإعادة هيكلة الجيش الأوكراني وخفض عدد القوات وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وهي نقطة شكّلت محور الاعتراض الأكبر.
والمفاوضات حول تبادل الأراضي تبدأ من خطّ التماس، ووضع قيود على انضمام أوكرانيا إلى الحلف،تسريبات إضافية نقلتها وكالة “رويترز” أشارت إلى أن مسؤولاً أميركياً وجه ما يشبه “الإنذار” إلى كييف بضرورة اتخاذ موقف واضح من الخطّة قبل تاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر، مع التلويح بإمكانية وقف إمدادات الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية في حال تعثّر التعاون.
ورغم عدم صدور تأكيد رسمي من “البيت الأبيض” حول هذه النقطة، فإنها تعكس درجة الضغط الأميركي من أجل فتح نافذة تفاوض، خاصة في ظلّ تراجع الدعم في الكونغرس والانقسامات الداخلية بشأن تمويل الحرب.
ورجح مسؤولون أميركيون أن يوقع زيلينسكي خطة واشنطن قبل 27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في إطار جدول زمني طموح لإنهاء العملية بحلول كانون الأول/ديسمبر.
قمة ألاسكا الإدارة الأميركية
تعيد في هذه المرحلة أسلوباً تفاوضياً سبق أن استخدمته خلال قمة ألاسكا بين الولايات المتحدة والصين عام 2021، حيث اعتمد الطرفان “مبدأ طرح المسودات غير الرسمية” قبل الدخول في صيغ علنية.
وينظر إلى هذا النهج باعتباره طريقة لاختبار ردود فعل الأطراف من دون التزام رسمي، وهي السياسة نفسها التي يعتقد أن واشنطن تحاول تطبيقها في الأزمة الأوكرانية.
الخلاف داخل واشنطن وتعدد التفسيرات حول الوثيقة يشيران إلى أن السياسة الأميركية ما زالت في مرحلة “إعادة تقييم”.
فبين رغبة في الضغط على موسكو ورغبة مقابلة في تجنب حرب طويلة تبحث الإدارة الأميركية عن مسار يضمن استمرار دورها القيادي من دون تكلفة كبيرة.
أما على الأرض فلا توجد في الوقت الراهن مؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق، إلا أن إعادة فتح باب التفاوض ولو عبر وثيقة مسربة تدل على أن الحرب دخلت مرحلة جديدة أكثر ارتباطاً بحسابات السياسة الأميركية.
الجدير ذكره أنه تمّت لقاءات عدّة بين بوتين وترامب وزيلينسكي لحل الخلاف ووقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصرح ترامب عبر عدة لقاءات أنه يريد إحلال السلام في المنطقة، بما فيها إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا.