كان اللقاء الأخير، لوزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، واضح المعالم، إذ تم التأكيد على الثوابت الوطنية وأنها من المسلمات في سياسة الدولة السورية، فلا تنازل عن ذرة من تراب وعودة الأراضي المحتلة، ولا مساومة على حقوقها التي تكفلها القرارات والمواثيق الدولية. وهذا أيضاً ما شدد عليه مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي مؤخراً بضرورة حماية وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، داعين إلى وقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة والالتزام باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة مورغان أورتاغوس، أكدت خلال جلسة لمجلس الأمن على وحدة سوريا واندماج جميع مواطنيها، فيما عبر مندوب روسيا فاسيلي نيبينزيا عن قلقه من الأعمال غير المشروعة لإسرائيل في الجولان المحتل، داعياً مجلس الأمن إلى التحرك لوقف الانتهاكات. فيما بين مندوب الجزائر عمار بن جامع، باسم المجموعة الأفريقية، أن أي دعم دولي لسوريا يجب أن يحترم سيادتها ووحدتها، وأدان العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية، داعياً للالتزام الكامل باتفاقية فض الاشتباك، وأكد أن الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا.
بدورها شددت نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا، نجاة رشدي، على احترام سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها، محذرة من استمرار التوغلات الإسرائيلية وضرورة تحرك مجلس الأمن لوقف هذه الانتهاكات.
بينما أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أن سوريا تشدد على حقها الثابت في بسط سيادتها على كامل أراضيها، وتجدد مطالبتها للأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الحازم والفوري لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها وضمان عدم تكرارها، والالتزام الكامل باتفاق فض الاشتباك وتنفيذ القرارات الشرعية ذات الصلة.
لا اتفاق بينما تحتل أرضنا
وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني جدد التأكيد على أن سوريا ستوقع اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل، لكن لن يتم التوقيع على هذا الاتفاق دون انسحاب إسرائيلي كامل إلى ما قبل تاريخ السابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقال الشيباني في مقابلة مع مجلة “المجلة” السعودية: “نحن لا نذهب إلى سلام بأي ثمن.. لن نوقع أي اتفاق بينما تحتل أرضنا.. الشرط واضح: انسحاب كامل إلى خط 7 كانون الأول/ديسمبر 2024.
إن أرادوا اتفاقاً، فليعودوا إلى الحدود.. غير ذلك لا يوجد اتفاق.. ولا تنازل”.
ورداً على سؤال كيف يمكن للأميركيين أن يتدخلوا ميدانيا وتفاوضيا لإنجاز اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، اكتفى الوزير الشيباني بالقول: “نحن نتوقع أن يكون هناك اتفاق بيننا وبين إسرائيل”.
وحول ملامح هذا الاتفاق، ذكر وزير الخارجية والمغتربين أنه سيكون اتفاق سنة 1974 مع تغيير طفيف.
لا مناطق عازلة
وبشأن ما إذا كان سيكون هناك ثلاث مناطق عازلة، أكد الوزير الشيباني أن لا مناطق عازلة. كما رد على سؤال حول احتمال وجود ثلاث مناطق محدودة السلاح بالقول إن هذه ستكون مؤقتة، ولن تكون نهائية، وستكون مراحل بناء ثقة.وأضاف: “كان هناك تحديد في عام 1974، فهناك مناطق لن تكون القوات العسكرية موجودة فيها، وفي منطقة معينة تكون هناك شرطة ومخافر، ثم تكون هناك قوة عسكرية، وما إلى ذلك، تقريبا هو نفس الاتفاق وهناك تغيير طفيف عليه”.
وتابع الوزير الشيباني: “أما أن ننسف اتفاق 1974 كله ونجلب اتفاقاً جديداً، هذا الأمر رفضناه صراحة، غير مطروح لأن هناك اتفاقاً معمولاً به على مدى خمسين سنة، وكذلك تم تبنيه من قبل مجلس الأمن”.
وقال متسائلاً: الآن كيف سأجلب اتفاق 2025 وأوثقه بمجلس الأمن؟ موضحاً أنه لا داعي بصراحة لهذا الموضوع.
وثانياً موضوع استغلال الوضع الحالي للحكومة السورية واحتلال أراض جديدة.. لا نوافق.
وبشأن ما إذا كان هناك ضمانة أن يضغط الأميركيون على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للانسحاب إلى خط السابع من كانون الأول/ديسمبر 2024، أجاب الوزير الشيباني بأن هناك وعداً أميركياً بهذا الخصوص، لكنه جدد التأكيد على أن سوريا لن توقع اتفاقاً إذا لم يكن هناك انسحاب.
جوهر الاتفاق الانسحاب
وقال الشيباني: “اليوم تفرض واقعا وتريد التوصل إلى اتفاق لاحقا، لا نريد في تلك الحالة اتفاقاً، ولتبقى الأمور معلقة وتبقى غير قانونية. أما أن نتفق ونوقع اتفاقاً وهو موجود يحتل أراضي جديدة فهذا أمر يستحيل أن نفعله، فالشرط الأساسي بالنسبة إلينا هو الانسحاب، وهذا أصلا هو جوهر الاتفاق”.
وأضاف أن “أي حالة أمنية أو اختراق أمني في الجنوب قد يحصل ستلام فيه الحكومة السورية ولن يلام فيه أحد آخر. ونحن نرى أن هناك أيضاً فرصة لإسرائيل، أن اليوم هناك حكومة جريئة تتحدث بالعلن أنها تتفاوض مع إسرائيل، وتتحدث بالعلن أننا نريد اتفاقاً أمنياً، وتتحدث بالعلن بعيداً عن حركات النظام التي كان يقوم بها.
نحن نريد هذا التحدي ونراه تحدياً، يجب أن نعود للسابع من كانون الأول/ديسمبر وننجز اتفاقاً أمنياً، ومهما كانت هواجسك الأمنية فنحن نعالجها، نحن نركز على إعادة بناء سوريا بعيداً عن أي شيء”.
وأشار إلى أنه يتم البحث في اتفاقية السلام بعد الاتفاق الأمني، موضحاً أن موضوع الجولان سيكون هو الأساسي فيه.
وكان الرئيس أحمد الشرع أكد في حوار مع الجنرال ديفيد بترايوس، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق ضمن فعالية قمة “كونكورديا” التي انعقدت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، أن سوريا ماضية في تحقيق تهدئة من خلال العودة إلى اتفاقية عام 1974 وتجنب الدخول في أي معركة، مشدداً على ضرورة تراجع إسرائيل عن المناطق التي تقدمت إليها، ومناقشة المخاوف الأمنية من خلال وسطاء إقليميين ودوليين.
وتابع الرئيس الشرع: إن الكرة الآن في ملعب إسرائيل وملعب المجتمع الدولي في تحديد المسارات الحقيقية والأساسية التي ينبغي أن تدخل فيها، مشيراً إلى وجود فرضيات حول ما تريده إسرائيل: هل فعلاً لديها تخوفات أمنية أم لديها أطماع توسعية؟ وهذا ما سيحدده الالتزام ببنود الاتفاق الحالي الذي يجري التفاوض عليه وبما يحفظ سيادة سوريا.
كما جدد الرئيس الشرع في مقابلة مع قناة “CBS NEWS” الأميركية، في الخامس عشر من تشرين الأول الماضي، التأكيد على أن سوريا ملتزمة باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وأبدت استعدادها لاستقبال قوات الفصل الأممية (الأندوف)، إلا أن إسرائيل رفضت عودتها، مبيناً استمرار المسار التفاوضي برعاية أميركية للوصول إلى اتفاق أمني جديد، إلا أن السياسات الإسرائيلية لا توحي بأنها ستلتزم بتنفيذ أي اتفاق مستقبلي.
كما شدد الرئيس الشرع على أن الجولان أرض سورية محتلة منذ عام 1967، وأن استعادته حق مشروع تسعى سوريا إليه عبر المفاوضات والوسائل السلمية، بما ينسجم مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وحول تصريحات الشيباني، قال المحلل السياسي مصطفى النعيمي: إن القيادة السورية ملتزمة بتعهداتها تجاه الشعب السوري، وبالتالي فإن تصريحات وزير الخارجية تنطلق من ذات الرؤية الاستراتيجية التي تحدد ماهية سوريا من حيث الخارطة الجغرافية أو التموضع الدولي والاتفاقيات السابقة المبرمة. وأضاف في حديثه لصحيفة “الثورة السورية”، أن سوريا أبدت حسن النية تجاه تلك الاتفاقيات نظراً لأنها أولوية في الاستقرار، والآن الكرة في ملعب الجانب الإسرائيلي الذي أعتقد بأنه لن يلتزم بأدنى المعايير للاتفاقيات الدولية.
مشيراً إلى ضرورة أن تكون الضغوط الممارسة ضده معززة بأدوات ضغط من قبل المنظومة الدولية، وأن مسار الضغط ينطلق من مسألة تجميد مشاريع الدعم العسكري المقدمة من الولايات المتحدة والمنظومة الدولية لإسرائيل، وأيضاً استثمار القيادة السورية من خلال تشكيل لوبيات ضاغطة، وهذا سيكون له أثر إيجابي وبشكل كبير تجاه تحديد ماهية سوريا اليوم وغداً وفي المستقبل.
الوحدة الوطنية
تعد الوحدة الوطنية ركيزة أساسية لبناء الدولة وتعزيز مؤسساتها ومواجهة التحديات سواء أكانت داخلية أم خارجية، وشرط جوهري لاستعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها.
كما أنها، وفقاً لمحللين، شرط أساسي لتعزيز الأمن والاستقرار ليس في سوريا وحسب وإنما في المنطقة برمتها. الرئيس الشرع شدد في مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أيار/مايو الماضي، على أن سوريا، وفي مواجهة التحديات، تطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بدعم وحدة سوريا أرضاً وشعباً، والعمل على دعم جهود الحكومة السورية الجديدة، ورفض كل أشكال التدخل والتقسيم، حماية لمستقبل سوريا وصونا لهويتها الجامعة وصيانة لاستقرار المنطقة برمتها.
وفي اتصال هاتفي مع الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، أعرب الرئيس الشرع عن شكره للمملكة على دعمها المستمر للبلاد، وأكد أهمية الدور السعودي في تعزيز وحدة الأراضي السورية واستقرارها.
ويقول المحلل السياسي النعيمي: “إن وحدة الأراضي السورية حق مشروع لكل أبناء الشعب السوري وقيادته، وما يتم العمل عليه اليوم هو انطلاق من ذات الرؤية. فالتهديدات والمخاطر التي تحيط بسوريا تعمل القيادة السورية على تفكيكها من خلال بناء شراكات استراتيجية على المستوى الإقليمي والدولي من أجل منع أي محاولات عبثية جديدة تمس وحدة الأراضي السورية سواء أكانت من قبل الاحتلال الإسرائيلي أم من أي جهة تسعى بلا جدوى للعب على وتر التفكيك والتقسيم والانفصال”.
الرئيس الشرع كان أشار في كلمة متلفزة حول أحداث السويداء في 19 من تموز/يوليو الماضي، إلى أن بعض الأطراف حاولت أن تستغل المشهد، سواء في داخل السويداء أم من داخل إسرائيل، لتمرير بعض المشاريع، وأعتقد أن سوريا لا تقبل القسمة، ويتعذر عليها القسمة.
وشدد الرئيس الشرع، على أنه “في نهاية المطاف، فإن سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة، وهذا قسم أقسمناه أمام الناس، بأن نحمي كل التراب السوري، وأن تتوحد سوريا، وهناك إجراءات كثيرة حتى نصل إلى ذلك”.
وكان الوزير الشيباني أشار في كلمة سوريا أمام القمة العربية بدورتها الرابعة والثلاثين في بغداد في أيار/مايو الماضي، إلى خطورة ما يحاك في الخفاء من محاولات ممنهجة لتفكيك المجتمع السوري وزرع الفتن وضرب النسيج الوطني، عبر دعم تشكيلات انفصالية ومشاريع طائفية وقومية تسعى إلى تقويض مؤسسات الدولة، مشدداً على تمسك سوريا الثابت بسيادتها ووحدة أراضيها ورفضها القاطع لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
وهذا مبدأ راسخ لا يقبل المناورة أو المفاوضة، كما أن حق الشعب السوري في تقرير مصيره وصوغ خياراته الوطنية ليس محل نقاش أو مساومة.
وشدد الشيباني، على أن “السيادة ليست شعاراً فقط، بل هي جوهر الدولة ومعنى استقلالها وأساس علاقاتها مع غيرها، وإن أي مشروع يهدف إلى إضعاف الدولة السورية أو اقتطاع جزء من أراضيها تحت أي ذريعة كانت، أمنية أو إثنية أو طائفية أو بدعم مجموعات انفصالية خارجة عن القانون، لهو مشروع مدان مرفوض رفضاً قاطعاً، لا من قبل الحكومة فحسب، بل من الشعب السوري بأكمله وبجميع انتماءاته ومكوناته، فسوريا الجديدة لجميع أبنائها ولا مكان فيها لمشاريع العزل أو التفرقة أو التمييز”.