الثورة- ترجمة ختام أحمد:
أعلنت المغرب وسوريا في أيار الماضي استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما في دمشق والرباط، في إشارة رمزية وواضحة إلى عودة سوريا إلى حضن الوطن العربي، وتمثل هذه الخطوة، التي تأتي قبل زيارة محتملة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى المغرب، خطوةً أساسيةً نحو الوحدة العربية بعد سنوات من التشرذم.
بدأت عزلة دمشق مع اندلاع الحرب عام ٢٠١١، وتفاقمت باصطفاف سوريا مع طهران، هذه التطورات جعلت البلاد في عزلة دبلوماسية عن معظم العالم العربي، وأدت إجراءات نظام الأسد البائد إلى استبعاد سوريا من جامعة الدول العربية، ما جعلها دولةً شاذةً إقليمياً لسنوات.
بدأ هذا الوضع يتغير مع عودة سوريا إلى الجامعة العربية عام ٢٠٢٣، وهي خطوة أولى مهمة، وإن كانت رمزية إلى حد كبير، وجاء التحول الحقيقي مع سقوط بشار الأسد، الذي مهد الطريق لعهد جديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، فمنذ توليه السلطة، اعتمد الشرع استراتيجية دبلوماسية واضحة لاستعادة مكانة سوريا في المنطقة العربية، هذا التوجه ليس جديداً على سوريا، التي لطالما اعتُبرت من أبرز دعاة القومية العربية، فقد وُلدت القومية العربية والأيديولوجية القومية العربية في سوريا في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية، حيث لعبت شخصيات مؤثرة دوراً أساسياً في تعزيز الوحدة العربية.
واليوم، يستمر هذا الإرث بقيادة الشرع، فقد تبنى خطاباً وطنياً قائماً على الوحدة والثقة، وأعلن: “لن تُستخدم سوريا لمهاجمة أو زعزعة استقرار أي دولة عربية أو خليجية”، داعياً الشركاء الإقليميين إلى المساعدة في إعادة بناء البلاد “كجزء من العالم العربي”، وكانت أولوية الشرع واضحة: إعادة ترسيخ شرعية سوريا على الساحة العربية.
وفي شباط، قام بأول زيارة خارجية رسمية له إلى الرياض، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتضمن جدول الأعمال رفع العقوبات الاقتصادية، وعودة اللاجئين، وتنسيق جهود مكافحة الإرهاب، كانت هذه خطوة استراتيجية، إذ بعثت مشاركة السعودية برسالة إلى دول الخليج الأخرى مفادها أن سوريا جادة في النأي بنفسها عن تحالفاتها السابقة، وتشكيل توجه جديد عربي التوجه، وامتدت دبلوماسية الشرع سريعاً إلى قطر والإمارات العربية المتحدة، حيث ركزت المحادثات على إعادة الإعمار والتعاون الإقليمي طويل الأمد، وفي الشهر التالي، قدمت سوريا أجندتها الإصلاحية.
وفي الأردن، ركزت الاتفاقيات والمحادثات على تعزيز أمن الحدود والجهود المشتركة لمكافحة تجارة الكبتاغون غير المشروعة، التي تُشكل مصدر قلق متزايد لكل من عمان والرياض، كما استعادت سوريا عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، وأعلنت الكويت عن قرب إعادة فتح سفارتها في دمشق، إلى جانب الزيارات رفيعة المستوى وإعادة فتح السفارات، تبرز أيضاً أشكال أعمق من التعاون، لاسيما في مجال إعادة الإعمار والبنية التحتية.
في أيار، اتفقت سوريا والأردن على تشكيل مجلس تنسيق أعلى، إيذاناً بمرحلة جديدة مهمة في علاقاتهما الثنائية.
تتضمن الاتفاقية خططاً لمراجعة اتفاقية نهر اليرموك لعام ١٩٨٧، وتنشيط لجان المياه المشتركة، واستكشاف التكامل الإقليمي في مجال الطاقة، كما تعمل الأردن وسوريا على إحياء شبكات الكهرباء، وقد أكدت قطر توريد مليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً عبر الأردن، ما يعزز توليد الطاقة في سوريا بمقدار 400 ميغاواط بهدف مضاعفة إمداداتها من الكهرباء. يُضاف إلى ذلك صفقة العام الأبرز لدمشق: اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار مع ائتلاف شركات من الولايات المتحدة وقطر وتركيا، تهدف إلى إصلاح قطاع الطاقة والكهرباء المنهار في سوريا.
الأثر الاقتصادي واضحٌ بالفعل، ففي الربع الأول من عام ٢٠٢٥، وُقّع ٨٨ عقداً للمنطقة الحرة السورية الأردنية في جابر-نصيب، وينتظر أكثر من ٨٠٠ مستثمر الموافقة، وتضاعفت حركة الشاحنات اليومية على الحدود ثلاث مرات، وبلغت صادرات سوريا إلى الأردن ٢٣.٧ مليون دولار في شباط وحده، بزيادة ملحوظة عن ٥.٤ ملايين دولار فقط في العام السابق.
يعكس تزايد الزيارات الدبلوماسية وتوسّع العلاقات التجارية بين سوريا ودول المنطقة إجماعاً أوسع بين الدول العربية على أن الوقت قد حان لإعادة إحياء العلاقات مع سوريا، ويشير انفتاح الشرع على تعزيز العلاقات مع دول الخليج، لاسيما في مجالي التجارة والطاقة، إلى تحوّل نحو تكامل أعمق بين بلاد الشام ومجلس التعاون الخليجي، وكذلك على نطاق أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ما بدأ كمبادرات دبلوماسية حذرة، يتحول الآن إلى نتائج ملموسة، ما يمهد الطريق لمستقبل أفضل لسوريا، وقد مكّن رفع العقوبات الأميركية والأوروبية بالفعل من تمويل مشاريع جديدة، وهي حيوية لنجاح خطة إعادة إعمار البلاد،علاوة على ذلك، وبفضل الدعم الفعال من الدول العربية الرئيسية، تعود المنظمات الدولية إلى سوريا.
وقد تدخلت المملكة العربية السعودية وقطر لسداد ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار للبنك الدولي، وللمساهمة في تغطية جزء من رواتب موظفي الخدمة المدنية السوريين، يُثمرهذا التعاون المتجدد والانخراط المتنامي مع دول المنطقة نتائج ملموسة لسوريا، فحكومة الشرع لا تُعيد فتح السفارات وتُجري زيارات دبلوماسية فحسب، بل تُعيد فتح سوريا على المنطقة بنشاط، مدفوعةً بمصالح مشتركة في الاستقرار والتجارة وإعادة الإعمار، وعلى هذا النحو، فإن إعادة دمج سوريا يمثل مؤشراً واضحاً على تعميق التقارب العربي، وهو التقارب الذي من المتوقع أن يؤدي إلى عوائد أكثرواقعية، وتشكيل تحالفات جيو-سياسية واعدة وتعزيزالعلاقات بين الدول العربية.
المصدر – ArabNews