علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين

الثورة- علي إسماعيل:

يقف خطر الألغام ومخلّفات الحرب غير المنفجرة في سوريا كأحد أعقد الملفات التي تعيق عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، وفي الوقت الذي تحاول فيه سوريا لملمة جراحها واستعادة أنفاسها بعد سنوات الحرب الطويلة، تتربص بين حقول الزراعة، والمخيمات، والقرى التي عاد إليها النازحون، بقايا الموت بكل خطوة، وهي تحديات لا تهدد فقط أرواح المدنيين، بل تضرب في عمق الاقتصاد والزراعة والبنية التحتية. ويؤكد الخبراء والمحللون السياسيون أن إزالة الألغام في سوريا باتت معركة ثانية، لا تقل خطورة عن الحرب نفسها، لما تنطوي عليه من مخاطر، وعقبات، ونقص حاد في الإمكانيات.

في حديث خاص تناول فيه الأبعاد الأمنية والاقتصادية والإنسانية لملف الألغام ومخلّفات الحرب، استعرض المحلل السياسي علي التيناوي جملة من التحديات التي تواجه الجهود الوطنية والدولية لإزالة هذه المخاطر، مؤكداً أن الألغام المزروعة في العديد من المدن والمناطق السورية تحولت إلى قيد دائم يعرقل عودة الحياة الطبيعية في هذه المناطق ويهدد في الوقت نفسه مستقبل السوريين وقال: “التحديات والصعوبات المتعلقة بالألغام والذخائر غير المنفجرة التي زرعها النظام البائد والقوات المتحالفة معه، تمثل عقبة جسيمة أمام عودة الحياة الطبيعية للمناطق السورية التي تحرّرت حديثاً، وهي مخاطر لا تقتصر على الخسائر البشرية بل تمتد لتشل الزراعة، والبنية التحتية، والاقتصاد المحلي خاصة أن هذه الألغام والمخلفات غير منفجرة، منتشرة بشكل واسع على الجغرافيا السورية ومنها الأراضي الزراعية وعلى سبيل المثال لا الحصر مناطق سهل الزبداني وشمال حماة وإدلب، وأيضاً هناك تحديات أمنية في مناطق انتشار هذه المخلفات في شمال شرق البلاد وجنوبه في السويداء ودرعا. ويؤكد التيناوي أن من بين أبرز الصعوبات التي تعرض عمل عناصر الهندسة في وزارة الدفاع وعناصر الدفاع المدني ووزارة الطوارئ هي نقص الموارد المالية والمعدات الهندسية المتخصصة، كآليات الكشف والتعطيل، ما يبطئ من عمليات الإزالة على الأرض.

فمثلاً حسب مؤسّسات دولية، منها الفرق الهندسية في منظمة “الهايلو تراست” وغيرها فإنها تعاني من تأخير كبير وبطء بسبب عدم توافر العدد الكافي من الجرافات المدرّعة والمعدات الثقيلة التي تستطيع معالجة أراضٍ مضى عليها نزاع طويل.إضافة إلى ذلك، ضعف الكوادر المدربة في الهندسة المضادة للألغام والتعامل مع الذخائر غير المنفجرة يزيد من مخاطر الحوادث، خصوصاً في المناطق الزراعية والمخيمات التي عاد إليها النازحون مؤخراً.

ويشير التيناوي إلى أن “البنية الأمنية والجغرافية والدوريات المتغيرة تخلق (مناطق معزولة) لا تستطيع فرق إزالة الألغام الوصول إليها بسهولة، سواءً لأسباب أمنية أم لوجستية، مؤكداً أن المناطق الحدودية، خاصة الممتدة على خطوط تماس قديمة أو قام النظام السابق بنشر ألغام فيها، تُعدّ من أكثر المناطق صعوبة، أو التي تأخذ أولوية متدنية.

وهناك عامل مهم جداً هو انخفاض الوعي المجتمعي بخطورة الألغام والمخلفات ما يجعل الأهالي في هذه المناطق عرضة للحوادث، إذ إن كثير منهم لا يتلقّون تعليماً كافياً حول مخاطر التعرض أو لا تتوفر وسائل تحذيرية أو علامات توعية واضحة”. ومن وجهة نظر التيناوي، فإن العامل الأهم الذي يعيق العمل هو العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والتي كانت لها تداعيات بليغة على استيراد المعدات التقنية الضرورية مثل أجهزة الكشف، الآليات الثقيلة، والمستلزمات اللوجستية المرتبطة بعمليات إزالة الألغام، ويقول: إن رفع بعض العقوبات مؤخراً قد ساهم جزئياً في تحسين الظروف، لكن يُشدد على أن الوقت والموارد المطلوبة كبيرة، وأن الأثر لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب لأن حجم العمل ضخم جداً، والمخاطر كبيرة.

“إن استمرار خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة يُعيق عودة النازحين واستئناف الزراعة، وهو القطاع الذي يعتمد عليه ملايين السوريين كمصدر رزق”، بحسب التيناوي، مشيراً إلى أن هناك كثيراً من الأراضي الزراعية لا تزال ملوثة، والناس يُخاطرون بحياتهم لدخول هذه الأراضي أو قطف المحاصيل منها، كما أن وجود الألغام في الطرق والمناطق السكنية يحول دون استعادة البنى التحتية الأساسية من مدارس ومراكز صحية ومرافق عامة ويزيد من تكلفة إعادة البناء وتأخّرها، وهذا بدوره يساهم في زيادة معاناة المدنيين، ويؤجّل عودة الحياة الطبيعية في تلك المناطق.

التيناوي ختم حديثه بأن “سوريا الآن أمام تحدٍ خطير وهو إما أن يتّحد الجهد المحلي والدولي لتوفير التمويل، والمعدات، والكوادر، أو أن تبقى المناطق المحرّرة مجرد مساحات معلقة بين الحياة والموت، مع استمرار الأضرار البشرية والمادية يومياً”، ويرى أن” رفع العقوبات ليس كافياً بحد ذاته إن لم يُرافقه آليات واضحة لتسهيل الاستيراد، والتدريب، والتنسيق مع المؤسسات العاملة في مجالي إزالة الألغام والتوعية المجتمعية”.

في المحصلة، تبدو قضية الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة في سوريا أكبر من مجرد ملف هندسي أو إنساني، إنها قضية وطنية تحدد ملامح المستقبل، فبين الحاجة إلى التمويل الدولي، والكوادر المحلية، والتنسيق بين المؤسسات، يقف السوريون اليوم أمام مفترق طرق حاسمة، إما
الانتصار على هذا التحدي الوطني والإنساني الذي يفتك بالأرض والإنسان، أو البقاء أسرى الخوف والموت المؤجل، وإذا كانت عملية رفع العقوبات خطوة أولى، فإن التعافي الحقيقي يبدأ حين تتوحّد الجهود لإزالة آخر لغم يزرع الرعب في تراب الوطن.

آخر الأخبار
"الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي "تربية حلب" تواصل إجراءاتها الإدارية لاستكمال دمج معلمي الشمال محافظ إدلب يلتقي "قطر الخيرية" و"صندوق قطر للتنمية" في الدوحة "تجارة دمشق": قرار الاقتصاد لا يفرض التسعير على المنتجين التأمين الصحي.. هل أصبح عبئاً على الموظف؟