الثورة- نور جوخدار:
تتضافر الجهود المحلية والدولية في سوريا لمواجهة أحد أكثر التحديات تعقيداً التي خلفتها الحرب، والمتمثلة في إزالة مخلفات الحرب والألغام، ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، يعيش نحو14 مليون سوري في مناطق معرضة لخطر الذخائر غير المنفجرة، ما يجعلها من أكثر دول العالم تلوثاً.
ولا يقتصر خطر التلوث على الأرواح فحسب، بل يمتد إلى عرقلة إعادة الإعمار وعود الحياة الطبيعية، إذ تحتاج المدارس المدمرة والمستشفيات والطرقات والبنى التحتية إلى التطهير من المخلفات قبل تأهيلها، وهو ما يضاعف تكلفة إعادة الإعمار.
وفي مواجهة هذا الواقع، أعلنت وزارة الطوارئ والكوارث عن إنشاء مركز وطني متخصص لإزالتها، وتأسيس منظومة وطنية للاستجابة الطارئة، وتوسيع قدرة الوصول إلى المناطق المنكوبة.
وفي تصريح خاص لـ “الثورة” أوضح مدير المركز الوطني لمكافحة الألغام في وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، فادي الصالح، أن التلوّث منتشر في أغلب المحافظات بنسب متفاوتة، وتتركز أكثر المناطق تلوثاً في دير الزور، حماة، إدلب، حلب، حمص وباديتها، خصوصاً في المناطق الزراعية ومناطق الرعي وأطراف التجمعات السكانية.
وأشار إلى أنه حتى يوم 12 تشرين الأول 2025 سجل نظام الرصد 7 حوادث مرتبطة بمخلفات الحرب في ست محافظات مختلفة حلب، السويداء، دير الزور، حمص، واللاذقية، اثنين منها في حماة، ونتج عنها وفاة رجل، وإصابة 6 آخرين بينهم خمسة أطفال، معظمهم في أراضٍ زراعية أو مراعي.
وأضاف الصالح، أن تكرار الحوادث في محافظات متعددة يعكس تناثر وتباين التلوث، مما يدفع المركز اعتماد مقاربة “تكيّفية” تركز على رفع الوعي السريع في القرى الأكثر تعرضاً، وتوجيه فرق المسح إلى النقاط الساخنة الزراعية تحديداً.
وفيما يتعلق بارتفاع إصابات الأطفال، بيّن صالح، أن فضولهم وقربهم من الأراضي الزراعية ومناطق اللعب غير الآمنة من احتمالات الإصابة، مضيفاً أن بعض الأطفال العائدين من الخارج ليس لديهم وعي بالمخاطر ومنهم لا يتحدث اللغة العربية.
وأكد على أن أولوية العمل في المركز تتركز على حماية المدنيين، وخاصة الأطفال، عبر التوعية بالمخاطر، والمسح غير التقني، ثم وضع علامات التحذير وعمليات الإزالة وفق المعايير الدولية (IMAS)، وعلى تقليل الحوادث عبر التوعية السريعة وجمع المعلومات الميدانية لإنتاج خرائط خطورة دقيقة، تُمكّن الفرق من التحذير والتسييج والإزالة للمناطق الملوّثة عندما تسمح الظروف، رابطاً جميع هذه الجهود بخطط التعافي وإعادة الإعمار وعودة الزراعة الآمنة.
ولذلك يعمل المركز على تكثيف جلسات التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة (EORE) في المدارس والمجتمع المحلي، إلى جانب تطوير مواد توعوية مخصصة للأطفال وأسرهم بعدة لغات منها التركية والكردية، بالتعاون مع وزارات التربية والمنظمات الدولية بهدف تعزيز السلوك الآمن والإبلاغ الفوري.
أما بخصوص دعم ضحايا الحوادث، فأشار صالح إلى أن المركز ينسق مع الشركاء المحليين والدوليين لتحويل المصابين إلى خدمات العلاج والتأهيل البدني والنفسي، وتوفير أطراف صناعية وعلاج فيزيائي إضافة إلى برامج دعم سبل العيش لضمان اندماجهم الاقتصادي وعدم فقدانهم لحقهم في العمل والحياة الكريمة.
وعن المدة الزمنية اللازمة لإنهاء التلوث، أوضح أن الجهد “طويل الأمد”، إذ تعتمد الخطط على تقييم المخاطر وتحديثها سنوياً، مع التركيز على تقليل الحوادث وفتح مساحات آمنة للزراعة والسكن في المدى القريب.
كما شدد صالح على أهمية تعاون المواطنين في الإبلاغ عن الأجسام المشبوهة عبر القنوات الرسمية قائلًا: “نؤكد دائماً على ثلاث قواعد: لا تقترب، لا تلمس، لا تحرّك”، فقط بلغ السلطات المحلية أو قنوات التواصل مع المركز الوطني مع تحديد الموقع بدقّة.
ويواجه العمل الميداني جملة من التحديات، أبرزها اتساع التلوث على الرقعة الجغرافية وتنوعه بين ألغام وذخائر غير منفجرة، ومحدودية الموارد مقارنة بحجم الاحتياجات، وصعوبات الوصول اللوجستي، إلا أن الفرق تواصل العمل وفق منهج قائم على المخاطر والأدلة لضمان أفضل أثر بكل مورد متاح، بحسب صالح.
وطالب مدير المركز الوطني لمكافحة الألغام بزيادة الدعم اللوجستي والتمويل، موضحاً أن العمل في مجال إزالة الألغام يتطلب تجهيزات مرتفعة التكلفة وخبراء متخصصين ومعايير أمان عالية، إضافة إلى الحاجة لتوسيع فرق التوعية والمسح، وتعزيز أنظمة الخرائط والمعلومات الجغرافية، ودعم برامج مساعدة الضحايا وتأهيلهم المهني ودمجهم اقتصادياً.
واختتم بالقول إن التعاون مع الوزارات والسلطات المحلية ومع الشركاء الفنيين والإنسانيين العاملين مستمر لتوحيد الجهود ومشاركة البيانات غير الاسمية، وتفادي الازدواجية في الاستجابة، ووضع الأولويات، وتوجيه العاملين للعمل في المشاريع القادمة بحسب الأولويات.