الثورة- علي إسماعيل:
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، تتجه الأنظار إلى قضية أكثر تعقيداً بالنسبة لإسرائيل، وهي مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
بعض المسؤولين الإسرائيليين يعبرون عن تفاؤلهم بأن “انتهاء الحرب” قد ينعكس إيجاباً على مسار القضية، فيما يؤكد خبراء القانون الدولي أن العدالة لا تخضع لمزاج السياسة، وأن الجرائم الدولية لا تُسقطها التسويات ولا التقادم.
الخبير في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني أوضح أن المحكمة الجنائية الدولية “رفضت الطعون التي قدمتها إسرائيل على اختصاصها في القضية، وبالتالي فإن مذكرات التوقيف أصبحت قائمة قانونياً”، وبيّن أن هذه المذكرات “لم تعد مجرد طلبات، بل أوامر قضائية ملزمة للدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بالتعاون في القبض والتسليم إذا دخل أي من المطلوبين أراضيها”.
وقال الكيلاني في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية” من باريس: “إن وقف القتال لا يلغي المسؤولية الجنائية، فمن المبادئ الراسخة في القانون الدولي أن وقف إطلاق النار أو أي اتفاق سلام لا يعفي الأشخاص من الملاحقة القضائية عن الجرائم المرتكبة أثناء النزاع”، واستشهد بحالات مشابهة، قائلاً: “بعد اتفاقيات السلام في يوغوسلافيا ورواندا، لم تُلغ الإدانات أو التحقيقات بجرائم الحرب أو الإبادة، بل استمرت المحاكمات الدولية حتى النهاية”.
من جهته أكد أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي محمد مهران على أن “قرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو تظل سارية المفعول ولا تتأثر مطلقاً باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في شرم الشيخ”، موضحاً في حديثه للموقع ذاته “أن الجرائم الدولية الكبرى مثل جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وفقاً للاتفاقية الدولية لعام 1968 ونظام روما الأساسي”.
وأكد مهران أن “جرائم الحرب ترتكب بحق الإنسانية جمعاء، وليست ضد طرف محدد، ما يجعلها خارج نطاق أي اتفاقات سياسية أو تسويات ثنائية”، مضيفاً أن “اتفاقيات السلام أو وقف إطلاق النار لا تملك سلطة تعليق أو إلغاء الملاحقات القضائية، لأن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة تماماً عن الإرادة السياسية للدول، وتعمل حصراً وفق ولايتها القضائية المحددة”.
من جانبها، أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إلى أن دوائر صنع القرار في تل أبيب تعتقد أن توقف العمليات العسكرية قد يخفف الضغط القانوني على الحكومة الإسرائيلية أمام محكمة لاهاي، خصوصاً في ظل محاولات إسرائيل السابقة للطعن في اختصاص المحكمة، لكن هذا التفاؤل، وفق محللين قانونيين، أقرب إلى الأمنيات منه إلى الواقع القانوني.
وبينما يسعى نتنياهو لتوظيف وقف القتال في تحسين صورته داخلياً وخارجياً، تبقى مذكرات التوقيف سيفاً قانونياً مسلطاً قد يلاحقه في أي زيارة أو تحرك خارجي.
ومع أن السياسة كثيراً ما تراوغ العدالة، إلا أن القاعدة القانونية الدولية تبقى ثابتة وهي أن “الجرائم ضد الإنسانية لا تموت بمرور الزمن” ولا تنجو من ذاكرة العدالة، مهما طال أمد الحرب أو تغيرت المعادلات.
فيما قال دان شابيرو، وهو سفير أميركي سابق لدى “إسرائيل”، إن رغبة الدول العربية في دفع حماس للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق ترامب ربما تصبح محدودة إذا ما شن السياسيون في الحكومة والمعارضة الإسرائيلية حملة كبيرة ضد إقامة دولة فلسطينية.
وأضاف “إذا كان الخطاب السياسي هو الرفض التام لقيام دولة فلسطينية إلى الأبد، أعتقد أن ذلك قد يؤثر على حماسة الأطراف العربية في القيام بالأدوار التي يجب أن تقوم بها”.
وكان ترامب أعلن الخميس الماضي عن توصل “إسرائيل” وحركة “حماس” إلى اتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، فيما قال خلال مراسم التوقيع على الوثيقة في شرم الشيخ أمس بحضور عدد من القادة الإقليميين والدوليين: “لقد حققنا معاً ما قال الجميع إنه مستحيل، وهو السلام في الشرق الأوسط”.