ثورة أون لاين _ عبد الحميد غانم:
تقف روسيا بحزمٍ ضد أي تصعيد للنزاع الأذري – الأرمني وتحذِّر من أي نشاط تحريضي، لأنه سيلحق الأذى والخطر ليس بالبلدين المتنازعين فحسب بل بالمنطقة والعالم. وأنها جاهزة للمساعدة في وقف النزاع وإحلال السلام باعتباره حاجة ضرورية للجميع.
فقد حذَّرت الرئاسة الروسية من أن أي تصريحات لجهات خارجية حول تقديم دعم عسكري لأرمينيا أو أذربيجان من شأنها أن تصبَّ الزيت على نار النزاع بينهما في إقليم ناغورني قره باغ.
ونقلت وكالة نوفوستي عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله: “إن الكرملين ينطلق في المقام الأول من ضرورة وقف إطلاق النار والأعمال القتالية في أسرع وقت ممكن.. لا شك في أن أي تصريحات عن دعم عسكري أو أنشطة عسكرية تصبُّ الزيت على النار.. إننا نعارض ذلك بشدة ولا نتفق مع هذا القول”.
وكانت أرمينيا وأذربيجان أعلنتا في وقت سابق استمرار المعارك بين قوات البلدين على عدة محاور من خط التماس في الإقليم وذلك على خلفية التصعيد العسكري بينهما منذ عدة أيام.
يعد إقليم ناغورني كاراباغ منطقة انفصالية تعيش فيها أغلبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان.
وأعلن هذا الإقليم في نهاية العام 1991 استقلاله عن أذربيجان من دون أن يحظى باعتراف أي دولة ولا حتى أرمينيا.
ويقع إقليم ناغورني قره باخ بين إيران وروسيا وتركيا، وهو لا يزال تابعاً بنظر المجتمع الدولي إلى أذربيجان.
في عام 1805 أصبحت هذه المنطقة جزءاً لا يتجزأ من روسيا القيصرية، وشهدت معارك خلال الحرب الأهلية التي أعقبت الثورة البلشفية عام 1917.
وخلال الحكم السوفييتي، ألحقت منطقة ناغورني كاراباخ بجمهورية أذربيجان السوفييتية. إلا أن سكان هذه المنطقة صوتوا في الـ 10 من كانون الأول 1991، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في استفتاء بشكل كاسح لصالح الاستقلال عن أذربيجان.
في عام 1993 وبعد خمس سنوات من الحرب، سيطر الأرمن على “منطقة آمنة” داخل أذربيجان، تقع بين ناغورني كاراباخ وأرمينيا وتبلغ مساحتها نحو 8 آلاف كيلومتر مربع أي نحو 20 % من مساحة أذربيجان.
وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أيار 1994، بعد انتصار الطرف الأرمني. إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام. ورغم المفاوضات التي جرت تحت إشراف “مجموعة مينسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا)، فإن باكو ويريفان لم تتوصلا إلى اتفاق حول الوضع الذي ستكون عليه منطقة ناغورني كاراباغ.
في تشرين الثاني 2008، وقّعت أرمينيا وأذربيجان إعلاناً يدعو إلى “تسوية سلمية” للنزاع، إلا أن المعارك بين القوات الأرمينية والأذربيجانية تواصلت.
في عام 2012، أعيد انتخاب باهو ساهاكيان “رئيساً” لناغورني كاراباغ لخمس سنوات جديدة.
في آب 2014، قتل عدد من الجنود الأذربيجانيين في اشتباكات مع الأرمن، وفي تشرين الثاني من العام ذاته، أسقطت القوات الأذربيجانية مروحية عسكرية أرمينية ما أدى إلى مقتل أفراد طاقمها الثلاثة. وأعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن هذه المروحية حاولت مهاجمة مواقع للجيش الأذربيجاني.
خلال ليلة الـ 1 والـ 2 من نيسان 2016، أوقعت مواجهات بين الطرفين 18 قتيلاً في صفوف القوات الأرمينية و12 لدى القوات الأذربيجانية بحسب ما أعلن الطرفان اللذان تبادلا الاتهامات بالمسؤولية عن التوتر.
وتبلغ موازنة الدفاع في أذربيجان أضعاف الموازنة الكاملة لأرمينيا. وسبق أن توعدت باكو مراراً باستعادة منطقة ناغورني كاراباخ بالقوة.
والواضح أن روسيا تتحرك نحو صوغ حلٍّ يرضي الطرفين الأذري والأرمني، ويمكن أن يصب في مصلحة السلام في المنطقة، فهي بحاجة إلى أرمينيا وإلى أذربيجان كبلدين يحتلان موقعين جغرافيين مهمين سياسياً واقتصادياً ينتعش من خلالهما السلام والاقتصاد في هذه المنطقة المهمة من العالم، وخصوصاً في ضوء مشروعات الطاقة من النفط والغاز وطرق نقلها من منطقة الإنتاج إلى العالم، لأن إحلال الأمن والاستقرار والسلام يساعد على الرفاه الاقتصادي.
يرتبط تقدم مجالات التعاون المشتركة بين دول المنطقة، بتوفر الأمن والاستقرار من أجل استثمار الطاقة عبر الحدود، وإلى استغلال موارد بحر قزوين ومشاريع النقل.
وأنه لا بديل عن التسوية السلمية للوضع في الإقليم وعودة الأطراف المتنازعة إلى المفاوضات في أقرب وقت ممكن، لأن الانزلاق في حرب طويلة سيستنزف الطرفين وينقل الإقليم إلى حالة من التوتر والاضطراب ويعطِّل مشروعات النهوض والتقدم.
فهل يحكِّم طرفا النزاع لغة السلام والمفاوضات السلمية على الحرب وينجحان في استثمار فرص السلام لإنهاء النزاع والتوجه نحو النهوض الاقتصادي الذي تبشر به مشروعات الازدهار والتقدم في الإقليم والمنطقة المهمة سياسياً واقتصادياً؟.