ما بعد بريكست.. من يسد فجوة خروج بريطانيا؟

الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:

 قال الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد (1953- 1961) ذات مرة: “لم تُؤسّس الأمم المتحدة لنقل البشرية إلى الجنة، ولكن لإنقاذ البشرية من الجحيم”، الجحيم الذي كان يدور في ذهنه، بالطبع كان الحرب العالمية الثانية، والتي وبالمقارنة معها، تتضاءل معظم التحديات التي يواجهها العالم اليوم، ومع ذلك فقد أدت الاضطرابات التي تحدث هذه الأيام مثل جائحة COVID-19 وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى التشكيك في العديد من المعتقدات التي اعتبرها الأوروبيون في السابق أمراً مفروغاً منه.
عندما انتشر وباء كورونا في الربيع الماضي، تصرفت كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على حدة في استجابتها للوباء، فألمانيا على سبيل المثال، حظرت مؤقتاً تصدير المساعدات الطبية والمعدات، على الرغم من ارتفاع عدد الوفيات المروّع في إيطاليا المجاورة، ولكن بعد فترة أظهر الأوروبيون تضامناً جيداً في مواجهة الوباء.
وفي الآونة الأخيرة بدأ ظهور سلالة شديدة العدوى من فيروس كورونا في المملكة المتحدة، حيث تم إغلاق المعابر الحدودية في يوم الميلاد بين أوروبا والمملكة المتحدة فجأة، ما أدى إلى اصطفاف الشاحنات لأميال في المطارات التي خرجت من الخدمة.
أما بالنسبة إلى اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فقد كان واضحاً بالفعل بأنها الأفضل من بين مجموعة من الخيارات السيئة وخصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأنه وبسبب تقربه من دونالد ترامب، يعرف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن إدارة بايدن لن تكون حريصة على تقديم أي خدمات لحكومته، حيث أنه وفي حالة عدم وجود صفقة مع أوروبا، كانت المملكة المتحدة ستجد نفسها وحيدة تماماً.
بالإضافة إلى ذلك، رحب قادة الاتحاد الأوروبي بالاتفاق لأنهم يدركون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أضر بالفعل بالاتحاد، وكان من الضروري لأوروبا أن تتجنب حدوث تمزق كامل نظراً إلى الخبرة والقدرات الجيوستراتيجية الكبيرة للمملكة المتحدة.
ولكن بغض النظر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهو منقسم أيضاً داخلياً بشأن السياسة الاقتصادية وسيادة القانون وفصل السلطات، فقد كشفت التطورات في الأسابيع الأخيرة عن عمق الاختلاف بين فرنسا وألمانيا، ودفع هذان المحركان التقليديان للتوحيد الأوروبي من خلال صندوق الانتعاش الجديد للاتحاد الأوروبي، وبالتالي تأمين التماسك بين الدول الأعضاء الجنوبية والشمالية، لكن الجدل المستمر في الاتحاد الأوروبي حول السياسة الخارجية والأمنية بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فتح خلافاً حول مسألة الموقف الاستراتيجي لأوروبا، لأن ماكرون وبدعوته إلى “الحكم الذاتي الاستراتيجي”، فهو إنما يرد على فك ارتباط أميركا بأوروبا وإعادة توجيهها نحو المحيطين الهندي والهادئ والصين، وهو بذلك يؤكد أن الانسحاب الأميركي من الجوار سيجبر أوروبا على تحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها.
أما بالنسبة لألمانيا وعلى الرغم من أنها القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والدولة العضو الأكثر اكتظاظاً بالسكان، إلا أنها امتنعت عن التصرف بشكل استراتيجي لمدة 75 عاماً، والحقيقة الواضحة هنا هي أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يصبح قوة جيوسياسية ذات مصداقية دون أن تساهم ألمانيا بكامل وزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري، وتكمن المشكلة بالطبع في أن الكثير من الألمان أنفسهم ما زالوا متشككين من “الجغرافيا السياسية”، فهم يتمسكون بشعور من التفوق الأخلاقي يجعلهم غير راغبين في الدفاع عن المصالح الأوروبية.
من خلال دفعه نحو “الحكم الذاتي الاستراتيجي” الأوروبي، يتنافس ماكرون على سد فجوة القيادة الجيوسياسية التي نشأت بعد خروج المملكة المتحدة ورفض ألمانيا المستمر للتعامل مع القضايا الجيوسياسية، إلا أن فرنسا بصفتها القوة النووية المتبقية في أوروبا والعضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي المرشح الأنسب لهذا المنصب، لكنها لا تستطيع أن تكون وحدها.
لقد قامت ألمانيا على الأقل بسحب ثقلها عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على الوحدة الأوروبية، وقد أثبتت ميركل ذلك مؤخراً من خلال التوسط لإيجاد حل وسط مع المجر وبولندا اللتين هددتا باستخدام حق النقض الفيتو ضد صندوق التعافي وميزانية الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات بشأن “آلية سيادة القانون” الجديدة لصرف أموال الاتحاد الأوروبي، كما شددت الحكومة الألمانية مراراً وتكراراً على أن أي دفعة من أجل “الحكم الذاتي الاستراتيجي” يجب أن تكمّل وتعزز الشراكة عبر الأطلسي بدلاً من تعريضها للخطر.
يثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أسئلة استراتيجية طويلة الأمد حول الوحدة الداخلية لأوروبا وموقفها الخارجي، ومن المرجح أن يتم البت في القليل منها بسرعة على هذا النحو، ويجب على فرنسا وألمانيا البحث عن مسارات مشتركة لأوروبا، واغتنام
الفرص التي يوفرها الحكم الذاتي مع مراعاة القيود، حتى أكثر المتفائلين الأوروبيين لا يستطيعون بشكل معقول أن يزعموا أن أوروبا يمكن أن تنجح في القرن الحادي والعشرين بدون شراكة استراتيجية وثيقة مع الولايات المتحدة.
المصدر: Project Syndicate

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها