بائعُ الأناناس

 الملحق الثقافي:سموقان أسعد:

صوتٌ يعلو أكثر من أصواتِ البائعين جميعاً: «أناناس.. تعوا اشتروا.. انتو ناس ونحنا ناس».
اقتربتُ منه ورحتُ أراقب يده التي كان يحمل فيها أناناسة، أو كما كنا نسميها بطيخة صفراء، فهي ترتفع إلى الأعلى والأسفل، وتشكل محوراً شاقولياً وهي تهبط وترتد للأعلى.. تبتعد وتقترب حسب حركة يد البائع، يميناً وشمالاً.
اقتربتُ أكثر، كان يرتدي «فيلداً» وحذاءً سميكاً.. صوته يخترق كل الأجواء، ويبدو غريباً فهو الأكثر نشاطاً بين البائعين. أدار وجهه. إنه سميح صديقي. اسمٌ على مسمّى. ترك دراسة الحقوق وهو في السنة الثالثة ليعمل في سوق الهال، يشتري الخضار ويبيعها.
تذكرت يوم كان يقول: انظر إلى هؤلاء التجار، بعضهم ابتدأ بائعاً متجولاً وهو الآن تاجر كبير. يومها سلك سميح طريق الثروة الشريفة، وسلكتُ طريق الرسم أو كما يقال طريق الفقر.
لكنّ، اللوحة التي يرسمها الآن هي من أجمل لوحات العصر، البطيخة الصفراء تعلو وتنزل على محور الأرض، حيث البائعات أمامهنَّ سلال البيض والبقدونس والرشاد والدجاج البلدي.
كان يقف على رصيفٍ موحل، وتحت رذاذ المطر. اقترب وعانقني وذكَّرني بلقائي الأخير معه. يوم كنا جائعين وجيوبنا خاوية، ودخلنا المطعم كالرجال وطلبنا كل شيء.. اللحم والسلطة والمشروب، أكلنا وشربنا ثمَّ هربنا دون أن ندفع.

ما زلت أذكر وجه صاحب المطعم. إنه بلون الرضا والسعادة، ممتلئ يخلو من التجاعيد، ويوحي بكتلتين مسطحتين من اللحم على جانبي العينين.
قال بعد العناق: انظر إلى أصدقائي الباعة والبائعات. نظرتُ رأيتُ وجوهاً برونزية، فيها أخاديد غائرة توحي بالجبروت والقوة والتحدي.. خطوط منحنية فوق الجبين يتغير لونها حسب ارتفاع وانخفاض الأخدود. تشبه تلك الجبال التي هي أفق للوحة الغابة. غابة البسيط أو غابات الفرنلق. وجوهٌ تذكرك بالأرض والشجر، وبمغاورِ وأخاديد نبع الطاسة.
تذكرت أن صديقي يكتب القصة والشعر وهو قارئ نهم، وها أنا أعود لأراه يرسم أجمل اللوحات ويكتب أبدع القصص. تخيلته الآن يلقي أمسية قصصية أو لنقل «ماتينيه» قصصية لأن الوقت كان في الصباح.
قصة عنوانها «أناناس» تتألف من ثلاث كلمات: «انتو ناس ونحنا ناس».
بينما نحن وسط هذه اللوحة الرائعة، كانت تتوقف بعض السيارات الفخمة لسماع القصة، فيبتسم أصحابها ويشترون الأناناس ثم يرحلون، ولا شيء يعكر خلفية المشهد إلا إطارات عجلاتهم المستعجلة التي تشوه أصوات الباعة.
في تلك اللحظة، لم أتخيل السيارات إلا عربات كتلك التي يركبها لويس الرابع عشر وماري أنطوانيت.. تنظر باستحياءٍ إلى سميح، وترميه بوردة بيضاء مقابل أن يقدم لها أناناسة تحمل ابتسامته الخفية.

التاريخ: الثلاثاء26-1-2021

رقم العدد :1030

آخر الأخبار
من واشنطن إلى دمشق... تعاون مرتقب بين سوريا وصندوق النقد الدولي لدعم الإصلاحات  بطاقة 20 ألف متر مكعب .. افتتاح محطة ضخ مياه عين البيضا بحلب بحث تطوير المنظومة الكهربائية وتعزيز مشاريع الطاقة البديلة في حلب  زيارة تكسر الصمت وتمهّد لحوار الممكن بين دمشق و واشنطن  زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة في عيون الإعلام الغربي   الشرع يطرح هذه الملفات على طاولة  ترامب في "البيت الأبيض"  الجهاز المركزي يطور أدوات جديدة لكشف الاحتيال   من واشنطن الشيباني يبشّر السوريين: 2026 عام الانقلاب الكبير! الشرع يلتقي ممثلي المنظمات السورية الأميركية.. ودمشق وواشنطن نحو الشراكة الكاملة  وزيرا سياحة سوريا والسعودية يبحثان آفاقاً جديدة للتعاون كواليس إصدار القرار "2799".. أميركا قادت حملة دبلوماسية سريعة قبيل زيارة الرئيس الشرع الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض بشكل غير متوقع إنشودة الوفاء من مدينة الأنوار إلى دمشق الشآم سوريا تشارك في الجلسة الافتتاحية لمجموعة 77 + الصين في البرازيل إغلاق باب التقسيم: كيف تترجم زيارة الشرع لانتصار مشروع الدولة على الميليشيات؟ الأطباء البيطريون باللاذقية يطالبون بزيادة طبيعة العمل ودعم المربين ملتقى "سيربترو 2025".. الثلاثاء القادم صفحة جديدة في واشنطن: كيف تحوّلت سوريا من "دولة منبوذة" إلى "شريك إقليمي"؟ مكافحة الترهل الإداري على طاولة التنمية في ريف دمشق من "البيت الأبيض": أبرز مكاسب زيارة الشرع ضمن لعبة التوازن السورية