الملحق الثقافي- كمال الحصان:
الحق لا يكون مشكلة إلا عندما يكون الطرف الآخر باطلاً»، ويصرّعلى رفض هذا الحق ورفض الاعتراف به. ولذلك قد لا يبدو هذا السؤال مشروعاً عندما نتحدث عن حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها في فلسطين عام 1948م لأنّ حق العودة، كأي حق طبيعي واضح.
ولا يمكن أن يكون مشكلة، إلا عند اللصوص والقراصنة، الذين لا يتعاملون بمنطق الحق ، فحق العودة، هو حق غير خاضع لمعاييرأو بيانات اعتراف أو عدم اعتراف من أي جهات دولية كانت أو غير ذلك، ولكننا نضعه هنا في صيغة السؤال – مجازاً – لنعبرعن الحالة التي يصل فيها الإنسان إلى وضع يضطر فيه أن يمد يده ليتحسس قلبه، ليتأكد من أن قلبه مازال موجوداً وما زال ينبض أم لا.
منذ عقود، ونحن نتناقل السؤال اليومي الجارح هل نعود ….. أبي كان يسأل، وأنا اليوم أيضاً، أجد نفسي محاصراً بنفس السؤال، فهل أورثه لأولادي وأحفادي…؟ السؤال مزروع على كلّ شفة ولسان على بساطته ووضوحه لأنه بالنتيجة هوالسؤال الأساسي المطلوب.
الإجابة عليه بنعم حتماً، كما المطلوب من كلّ النظريات والأفكاروالسياسات المتداولة على الساحة السياسية، أن تجيب عليه إنه الهم الحقيقي للاجئ الفلسطيني منذ نكبة نصف فلسطين وحتى الآن.
إذن من المسلم به أن هذا السؤال ليس له سوى إجابة واحدة هي «نعم» إنه حق وليس مشكلة مهما بلغ اليأس منا، ومهما اسودت الصورة حولنا، وهذا الإيمان وهذه الحتمية هو السلاح الأمضى في أيدينا، بل هوالسلاح الوحيد الذي لن يتمكن العدو من امتلاك مضاد له، وحتى تكون هذه الـ «نعم» قريبة التحقيق، والقبض عليها ليس كالقبض على الريح، نقول: ماذا أعددنا وماذا خططنا وماذا فعلنا وماذا سنفعل للوصول إلى هذا الحق.
إن الجذور التاريخية لمشكلة اللجوء الفلسطيني تعود إلى بداية التحالف الذي نشأ بين سلطة الانتداب البريطانية على فلسطين والحركة الصهيونية العالمية، والذي وضع نصب عينيه هدف تسهيل إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين والذي تم تكريسه بموجب ما سمي بوعد بلفور عام 1917م، وما أدى إليه هذا التحالف منذ ذلك التاريخ وحتى طرد الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين من فلسطين عام 1948م، وإقامة ما سمي بدولة إسرائيل بعد أن تمّ زرع الفكرة في مؤتمر بال يسويسرا عام 1897م.
إن التلميح إلى الصعوبات التي تحيط بحقّ العودة، والذي يتردد دائماً، ليس مرده أي إشكاليات أو غموض يتعلق بالحق نفسه بل أنه غير مقبول منا إطلاقاً. أن نعلق إخفاقنا، على شماعة الظروف الصعبة وافتعال تبريرات أو تفسيرات أو غير ذلك، مما قد يريح النفس من عبء المسؤولية إلى حين، ويبعد العودة إلى «أحيان» أبعد.
إن تعميق الوعي التاريخي لدى أجيالنا المتعاقبة، بما يكرس ثقافة العودة، يجب أن يكون مرتكزاً أساسياً من مرتكزاتنا التربوية والوطنية على الدوام، لأن ثقافة العودة هذه هي خط الدفاع الأول والأخير، عن وجودنا وتاريخنا، وقد يقول قائل بأن حق العودة ليس بحاجة إلى ثقافة خاصة به، وقد يكون ليس بحاجة إلى ثقافة أصلاً، على اعتبارا أنه مسألة تتعلق ببديهة الوجود، وكيفية الدفاع عن هذا الوجود، وهذا أمر فطري وغريزي في الإنسان، تحركه الغريزة والفطرة قبل أي شيء آخر، وهذه مقولة صحيحة تماماً، ولكن ثقافة العودة التي ندعو إليها، هي ثقافة تهدف إلى ابتكار واشتقاق أشكال النضال والعمل المناسبة، من أجل تحقيق هذا الحق، هذا من جانب ومن جانب آخر حتى نظل متيقظين للمحاولات الصهيونية المستمرة لتزوير تاريخنا، وتكييف تاريخهم بما يخدم مصالحهم العدوانية والاستيطانية والتوسعية.
إن تاريخ الشعوب والأمم، هو سلسلة من النهضات التي تعتريها بعض الكبوات هنا وهناك، وفي مطلع الخمسينات من هذا القرن، وخلال العشر سنوات الأولى التي تلت النكبة، كان الوضع الفلسطيني في الشتات يبدو للناظر كبوة لا نهوض منها، وأن العودة حتى أمل العودة صارت نسياً منسياً، ولكن مع مطلع الستينات، سرعان ما شهدنا بداية النهضة الثورية الفلسطينية، التي انطلقت من عقالها، لتحول الفلسطيني الواقف أمام «كشك» الأونروا لاستلام مؤونته، إلى عملاق ثوري يدوي اسمه ويتردد صدى نضاله في كافة أرجاء المعمورة. منذ عام 1948م وحتى الآن، ونحن نستند قانونياً، للقرارالذي يقضي بحقّ العودة.
القرار رقم 194 تاريخ 1948/12/11م الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي نص في مادته رقم 11 على ما يلي: وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم ، والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كلّ مفقود أو مصاب بضرر، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أوالضررمن قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة، وتصدرالجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع تعويضات… الخ.
ونلاحظ هنا نص القرار بالتعويض والعودة كلاهما معاً، وليس أحدهما. ونذكر أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، اللتين تتنكران الآن لحق العودة، كانتا من بين الدول التي صوتت مع هذا القرار وأيدتاه، وإن تنكرهما الآن لحق العودة يشكل مفارقة قانونية وسابقة عينية على صعيد العلاقات الدولية واحترام والالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقراراتها .
وفي هذا السياق نقول: إن اعترافنا بالقرار 181 أي -قرارالتقسيم- الصادر عام 1947م أو القرار رقم 194 والمتضمن حق العودة والصادرين عن الأمم المتحدة، وكل القرارات الأخرى الصادرة عنها، لا يعني بأي حال من الأحوال بأن عدالة قضيتنا وحقنا في أرضنا يتبعان من هذه القرارات، فنحن على هذه الأرض منذ ملايين السنين، وشعبنا موجود على أرضه بقوة الحق وحق التاريخ الضارب إلى الأزل، أننا نناقش قرارات دولية صدرت في ظروف اختلال في موازين القوى بيننا وبين عدونا الصهيوني، وأن الاعتماد على هذه القرارات في الظروف الحالية الصعبة أيضاً سوف يكون أحد وسائل تفعيل قضيتنا وابقائها موجودة على الخارطة السياسية وفي الضمير العالمي، حتى يتسنى لنا إقناع هذا الضمير بحقنا الكامل في أرضنا.
إن عملية اللجوء الفلسطيني إلى أماكن وبلدان خارج فلسطين وداخلها، قد تمت نتيجة تكريس واقع استيطاني إحلالي استعماري، وعن طريق الأعمال الحربية والإرهاب والعنف والمجازر ضد المدنيين الفلسطينيين العرب أصحاب الأرض الحقيقيين، وتهجيرهم إلى خارج ديارهم، وذلك تطبيقا للنظرية الصهيونية التي أقرها المؤتمر الصهيوني المنعقد في لاهاي عام 1908م، والذي يقول: (على اليهود أن يضيقوا الخناق على الفلسطينيين حتى يجبروهم على ترك ديارهم إلى الأقطار العربية الواسعة وبكلّ الوسائل).
العدد 1216 –3- 12 -2024