الثورة- فادية مجد :
على بعد نحو 7 كيلومترات جنوب مدينة صافيتا تتموضع بلدة السيسنية الجميلة على ضفاف نهر الأبرش، الذي يروي بساتينها ويمنحها طابعاً زراعياً وسياحياً، إلا أن ما يميز بلدة السيسنية هو كنيستها التي تشكل معنى روحياً وتاريخياً ودينياً لسكان البلدة، وغيرهم من الذين يقصدون زيارتها، وخاصة في عيد السيدة العذراء المصادف في الرابع عشر من شهر آب.
أعرق الكنائس
للحديث عن كنيسة السيسنية، أهميتها وتاريخ بنائها وأقدم إنجيل موجود فيها.. تواصلنا مع المؤرخ الآثاري بسام القحط، والذي أفاد أن كنيسة السيسنية على نهر الأبرش التاريخي تعد من أعرق كنائس المعمودية الأثرية في قضاء صافيتا الكبير- القاعدة الجغرافية لجنوب الساحل السوري، وتقع في بلدة السيسنية، التي كانت مركز ناحية منذ دخول العثمانيين عام 1516، والثانية تاريخياً في الأهمية الاقتصادية والسكانية والدينية بعد مدينة صافيتا.
وأضاف: بنيت كنيسة السيسنية على رأس تلة أثرية على الضفة اليسرى (الجنوبية) لنهر الأبرش عند دخول النهر إلى منطقة سهل عكار الخصبة، وهي كنيسة مخصصة لطقس المعمودية المسيحي منذ أقدم العصور، وقد كانت عند بنائها منذ أكثر من 1600 سنة، واقعة مباشرة على ضفة النهر مباشرة، لكنها اليوم تبعد عن مجرى مياه النهر نحو 150 متراً باتجاه الجنوب، بسبب انخفاض منسوب المياه بشكل كبير والتصحر خلال المئة سنة الأخيرة.
وأشار القحط إلى أنه يشرف على كنيسة السيسنية والرعايا المجاورة روحياً، كاهن جامعي، هو قدس الأب إلياس عدرة، لافتاً إلى أن الكنيسة تتبع روحياً إلى رئيس أساقفة عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس سيادة المتروبوليت باسيليوس منصور الجزيل الاحترام، كما تضم شاهدة أثرية من حجر الغرانيت الفخم، الأرجح أنها الشاهدة التأسيسية للكنيسة، وعمرها أكثر من 1600 سنة، يدل على ذلك ما نقش عليها من رموز كالصليب والطاووسين من طراز القرن الرابع الميلادي، والذي يشير إلى أن السيسنية من أقدم كنائس غربي سوريا في عصر الروم البيزنطيين.
أقدم الأناجيل
مبنى كنيسة السيسنية الأثري كما يصفه القحط، مسقوف من الداخل بعقد حجري أثري مختلط (أسطواني ومتقاطع)، والعقد عمره أكثر من 500 سنة، فيما واجهات الكنيسة الخارجية متقنة العمارة بحجر أبيض تلعاوي، وعلى باب هيكل الكنيسة أيقونتان أثريتان تمثلان صورة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء، إذ يبلغ عمر الايقونتان أكثر من 440 سنة، والأيقونتان هدية من قياصرة روسيا إلى البطريرك يواكيم السادس زيادة ابن السيسنية.
تضم الكنيسة أقدم الأناجيل وشجرة بلوط مباركة بجوارها، وبحسب المؤرخ الآثاري فإن البطريرك الأنطاكي يواكيم السادس ابن زيادة (توفي عام 1604) هو أيضاً ابن بلدة السيسنية، الذي تولى منصب البطريرك الأنطاكي للروم الأرثوذكس في العاصمة دمشق لمدة 11 سنة، ودفن في دير القديسة كاترين في صحراء سيناء, كما خرجت كنيسة السيسنية عدداً من الرهبان الخطاطين أمثال الشماس سالم ابن داود، والأب نايف، ولكن أهمهم هو الشماس (لبس حبش) كاتب مخطوطة إنجيل السيسنية العربي المشهور، والذي يعتبر واحد من أقدم الأناجيل باللغة العربية، والإنجيل مؤرخ عام 1007 هجرية، 1598 ميلادية، أي أن الشماس بولس كتبه خلال رئاسة ابن بلدته البطريرك يواكيم السادس (زيادة)، على بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
وختم القحط بالقول: يوجد شجرة بلوط معمرة، عمرها أكثر من 450 سنة، وهي مجاورة لباب كنيسة السيسنية، وترتبط بولادة البطريرك يواكيم زيادة أيضاً.