الثورة – زهور رمضان:
استمر اندلاع الحرائق في ريفي حماة الغربي واللاذقية الشمالي منذ خمسة أيام متواصلة، مهددة سلامة السكان والممتلكات الزراعية في سهل الغاب وكسب وشطحة وجبال اللاذقية، وتأتي هذه الكارثة البيئية في ظل موجة حر شديدة تشهدها المنطقة، ما يزيد من صعوبة السيطرة على النيران، وقد سارع المجتمع المحلي ضمن استجابة شعبية لإطفاء لهيب الحرائق.
ففي سهل الغاب، تمتزج رائحة التراب برائحة الدخان يقف شباب لا يعرفون التعب، وجوههم مسمرة بالشمس، وعيونهم مليئة بالإصرار، أياديهم تمسك بالماء كما لو كانت تمسك بالحياة ذاتها، لا يسألون عن خطر ولا عن تعب، هم فقط يعرفون أن هذه الأرض أمهم، وأن الأم لا يتركها أبناؤها عرضة للنيران، كل رشة ماء، كل خطوة وسط اللهيب، هي أمل جديد بأن الغاب سيعود أخضر كما كان سابقاً.
يد واحدة
وبعدما اشتد اشتعال النيران وارتفع لهيبها، وفي لحظة التقاء الدخان بصوت الريح، كانت خطوات شباب الغاب على السفوح أشبه بدقّات قلب واحدة تنبض بحب الأرض والوطن.. فعندما تشتعل الغابات أو تضرب الكوارث، يخرج من بيننا من يتحرك فوراً، بما يستطيع، حتى ولو بأبسط الإمكانيات مدفوعاً بإيمانه العميق أن سوريا أمانة في أعناقنا، وأن حمايتها واجب لا يقبل التأجيل أو التخاذل.. وهم لا يبحثون عن الأضواء بالتأكيد، بل يصنعون الأمل ويحمون الحياة.
ففي قرية عناب التابعة للغاب شارك أبناؤها من المجتمع المحلي بإطفاء الحرائق التي وصلت للبيوت في عين الكروم وأبو كليفون ومزرعة بيت مرداش، إذ رفض السكان ترك منازلهم لمواجهة الحرائق وإطفاء النيران مثلها مثل قرية الحتان..
كما شارك العديد من شباب سلحب، والغاب، وشطحة، والسقيلبية، ومصياف، ضمن حملات نداء وجهت لهم للمساعدة بإطفاء الحرائق المتناثرة قبل امتدادها، وعلى الرغم من تلبية النداء إلا أن الحرائق تمكنت من الوصول لقرية شطحة، وبيت مرداش، مما أدى لحالات هجرة من قبل الأهالي قبل احتراق منازلهم.
أدوات بسيطة
فيما واجه أهل قرية المنيزلة بأدواتهم البسيطة النيران، بحمالة مياه تستخدم لرش المزروعات، وشرعوا يبردون ويطفئون الحريق غير منتظرين وصول فرق الدفاع المدني التي توزعت فرقها بين الحرائق المتناثرة في كل مكان بين اللاذقية وحماة، كما استخدم الأهالي أدوات أولية فأطفؤوا أول مرحلة بأدوات زراعية بسيطة “رفوش” و”أغصان” وغيرها، ثم استخدموا المرشات اليدوية للتخفيف من لهيب النار وحدتها ووحدها الجبال المحيطة بطريق بيت ياشوط الغاب التي احتضنت أهلها دوماً كانت شاهدا من أهله فقد جاء اليوم دورهم ليحتضنوها.
أشجار الصنوبر، والغار والسنديان، التي عمرها عقود تحترق أمام أعينهم كأنها تستغيث بأبنائها.. لم تكن الفزعة رجالا فقط، لا بل نساء رجال شباب ويافعين جاؤوا من القرى أحضروا الماء والطعام ليسقوا المتطوعين قبل أن يجفّ ريقهم، وجلس كبار السن على قارعة الطرقات وأطرافه يدعون لله ويبتهلون له بينما يتراكض الصغار حاملين زجاجات الماء.
مشهد يختصر المعنى العميق لكلمة “قرية”: ليست هي بيوت متباعدة بل بيت واحد كبير ليست أرضه سوى مزرعة غار وسنديان وزيتون بينما سقفه من سماء واحدة وجبال هي الشاهد الوحيد على أن التضامن لدى أهل القرية أقوى من النار.
ربما تعود الأمطار للهطول في أيلول المقبل لتكسو الجبال بالأخضر، لكن ذكرى هذه الفزعة الحميمية ستبقى محفورة في الضمير والوجدان لدى الناس.
حب الأرض والوطن
لقد أثبت شباب الغاب والساحل أن الانتماء للوطن ليس شعاراً، بل جسدوه فعلاً وعملاً يكتبه الجهد والتعب والعرق على محراب الأخلاق وبين حجارة الجبل الوعرة و”الحفات” والمرتفعات الجبلية، وأثبتوا للعالم أجمع أن الإنسان إذا ما أحب أرضه ووطنه، فهو يستطيع أن يواجه ألسنة اللهب بيدين عاريتين وجسد وقلب لا يعرف الخوف ولا الانكسار وجها لوجه مع ألسنة اللهب غير خائفين من استمرار انتشار النيران في جبال الحراجية مندفعين، وفي عيونهم لهبُ الشجاعة.. وعلى جباههم عزّ الأرض، يقاتلون النار كأنهم يدافعون عن العِرض، تماماً كما حدث في شطحة والغاب بريف حماة الغربي، وكذلك في بيت ياشوط ومنطقة كسب بريفي جبلة واللاذقية، ومع اشتداد سرعة الرياح، بينما تساعدهم فرق الإطفاء وتكثف عملياتها لحماية المدنيين وتأمينهم، ووقف انتشار النيران للمنازل السكنية في المنطقة وإخمادها،
مبادرات إنسانية
كما ساهم من بيت ياشوط مشكورا المهندس صلاح عجيب (أبو ضياء) ولم يتأخر لحظة عن مدّ يد العون لبلدة بيت ياشوط، وحلة عارا في وقتٍ عصيب، إذ قدّم سبع مضخات “لانص” وأربعة مناشير حطب لدعم جهود أبطال الإطفاء في مواجهة الحرائق التي هددت أرواحنا وأرضنا.
وأوضح أن هذه المبادرة النبيلة ليست مجرد معدات، بل هي رسالة وفاء وانتماء تجسدت في الفعل قبل القول، وستبقى شاهداً على معدن الرجال وقت الشدة، كما كانت رأس العين فخورة بفزعة شبابها حالها حال أبناء بيت ياشوط للمساهمة بإطفاء حرائق الغابات في جبال جبلة ومساندة فرق الإطفاء.
ولم تقتصر المبادرات على تطوع الشباب والرجال للمساهمة في إخماد لهيب النيران بل تجلت في أشكال أخرى فمن بادر لنقل المتطوعين بسيارته أو دراجته أو أي وسيلة نقل يملكها ومنهم من تطوع بتأمين الطعام والشراب وإعداده للمتطوعين كالمبادرات التي انطلقت في بيت ياشوط ورأس العين مبادرة لإطعام طواقم الإطفاء والمدنيين في الجبال من قبل حمزة فاضل
والمبادرات التي انطلقت في سلحب لإعداد الطعام لشباب المتطوعين لإطفاء حرائق الغاب، فأمثالك هم من يزرعون الأمل وسط اللهيب.
استنفار الطواقم الطبية
وفي ظل استمرار الحرائق المندلعة في ريف حماة الغربي، أعلنت مديرية صحة حماة عن تعزيز جاهزية المنظومة الصحية في المناطق المتضررة.
وأكد مدير الصحة الدكتور نزيه الغاوي خلال جولة في مستشفى السقيلبية الوطني والمراكز الصحية القريبة من مناطق انتشار النيران استنفار الطواقم الطبية بالكامل للتعامل مع أي طارئ، مع التركيز بشكل خاص على قرى فقرو، عناب، وطاحون الحلاوة.
وأوضح د. الغاوي أن الفرق الطبية تم تعزيزها ميدانياً بالتعاون مع فرق الدفاع المدني، وأضاف أنه تم نشر أربع سيارات إسعاف لتقديم الإسعافات الأولية ونقل المصابين، وأشار إلى تسجيل ومعالجة 32 إصابة ناتجة عن هذه الحرائق، بينها حالة حرجة تماثلت للشفاء، منها 22 إصابة متوسطة الشدة تم علاجها في الموقع، بينما نُقلت 10 حالات إلى مستشفى السقيلبية، من بينها حالة واحدة حرجة دخلت العناية المشددة وغادرت المستشفى اليوم بحالة مستقرة.
ثلاثون حريقاً
وكان من اللافت ما أعلنت عنه فرق الإطفاء في الدفاع المدني السوري وأفواج الإطفاء وأفواج إطفاء الحراج أنهم استجابوا لـ 30 حريقاً في سوريا يوم الأربعاء الماضي، بين هذه الحرائق 10 حرائق حراجية كبيرة فمن له المصلحة في تدمير ما تبقى من غابات بعد حرائق تموز الماضي ولمصلحة من نقضي على رئة سوريا ومتنفسها
هذا ما أكده فريق الدفاع المدني بقوله: إن فرقه تواجه حرائق في ريف حماة بمناطق رأس الشعرة عناب، وفقرو، وطريق بيت ياشوط، ومنطقة اليمضية في منطقة جبل التركمان، ودير ماما قرب الحفة في ريف اللاذقية.
وأضاف: إنه رغم الصعوبات الكبيرة بسبب تضاريس المنطقة شديدة الوعورة ودرجات الحرارة المرتفعة وعدم وجود خطوط نار بدأ صباح اليوم الخميس الطيران المروحي التابع لوزارة الدفاع في المشاركة في عمليات الإخماد في ريف حماة.
لا يسعنا في هذا اللحظة الحرجة وهذا الوقت سوى أن نوجه تحية حب لكل شاب يطفئ النار ليزرع غداً أماناً وحياة.