الملحق الثقافي-حسين صقر:
ثمة دراسات علمية ممولة من أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، بهدف تحريف الحقائق وطمسها، وذلك في ظل التطور التكنولوجي وسرعة انتشار الصور والفيديوهات والتقارير، بل و سريان الشائعات.
فتحريف الحقائق وطمسها، صناعة تهدف للسيطرة على العقول والاستحواذ على التفكير، ضمن ما يسمى صناعة الجهل، وذلك بواسطة ضخ كم هائل من الأخبار والمعلومات المشتّتة عن الهدف الرئيسي وزرع الارتباك في عقول الجماهير، لإبعاد التهمة عن المذنب الرئيسي، وهذا هو المطلوب.
هذا النهج أصبح مستخدماً على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والعلمية والإعلامية والثقافية والدينية، وسيطر حتى على أصحاب العقول، فما بالنا بناكري العلم والمنطق.
فما هي صناعة الجهل ومن لايعرفها وقد صارت صناعة وعلماً يطلق عليه «علم الجهل»، وهو العلم الذى يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة، حيث بدأ في التسعينيات من القرن الماضي بالظهور، بعدما لوحظ أن دعايات شركات التبغ التي تهدف إلى تجهيل الناس بشأن مخاطر التدخين مثلاً، لايهمها سوى الربح وأن تبقى خطوط إنتاج الشركة تحقق هدف مشغلها، وعندما يسأل عن عبارة «التدخين يضر بصحتك المدونة على علبة السجائر» يرد الغالبية: بأن الأمر عادي، وما كتب طلبته وزارة الصحة في هذا البلد أو ذاك، مثلاً لأن واجبها يتطلب ذلك، ويبدأ الترويج بأن لفافة التبغ تريح الدماغ، ويضعونها بأيدي المشاهير عندما يريدون الإعلان، حتى يقلد الغير تلك الشخصية المهمة.
وحسب تقارير، أنه في وثيقة داخلية تم نشرها عام 1979 من أرشيف إحدى شركات التبغ الشهيرة، تبيّن أن أبرز استراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق إثارة الشكوك فى البحوث العلمية التى تربط التدخين بالسرطان، ومن حينها انطلق لوبي التبغ في أميركا برعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة التبغ اجتماعياً ونشر الجهل حول مخاطرة.
إذاً تبدأ عملية التجهيل دوماً بالتشكيك في الحقائق الواضحة، ثم في مرحلة ثانية يتم نقل المتشكك إلى حالة الرفض التام للحقيقة، ومن ثم يصبح عقله جهازاً لاستقبال معلومات جديدة، هي المعلومات المغلوطة، وفي مثال آخر لصناعة الجهل: حجب أضرار المشروبات الغازية والسكر الموجود بها والآثار الجانبية للأدوية والأطعمة المحفوظة والشذوذ الجنسي وغير ذلك، فضلاً عن صناعة الجهل في الحروب والسياسة.
وأخطر مثال لتلك الصناعة أيضاً بأن التعليم ضعيف الفائدة، وخاصة ما يعتمد منه على الحفظ، ولا يعتمد على التفكير المنطقي أو الابتكار وتحليل أسباب المشاكل وحلها، وتحقيق الأهداف في أسرع وقت وبأقل مجهود، وهذا من أخطر صناعات الجهل لأنه يفقد صاحب الذاكرة القوية اندفاعه وحماسه، ويقلل من جهوده.
وطننا سورية الذي مازال يعاني الإرهاب الدولي المنظم ويحاربه نيابة عن العالم، عانى أهله من مروجي تلك الصناعة والتجهيل بالحقائق، واليوم مع تجدد الهجمات الإرهابية الوحشية على الشمال السوري، دخلنا ذلك النفق لكثرة ما يثار من شائعات هدفها إضعاف الروح لدى الأهالي وجرهم إلى المواقع المغرضة التي تصطاد في الماء العكر، في وقت يقوم فيه جيشنا البطل بصد تلك الهجمات وإيقاع الإرهابيين بين قتيل ومصاب وتشتيت عصاباتهم وجموعهم.
أصبح التلاعب بالعلم وتجنيد الباحثين، والمبالغ المدفوعة لتحقيق الأهداف التي انطلق من أجلها حلماً يحاكي الكثير ممن يطلبون الثروة، لأنه أفضل وسيلة لزعزعة الحقائق الراسخة في أذهان العامة، عبر الشك، والأخير سلاح فعال وخبيث لأنه من لوازم العلم نفسه، لأن التشكيك بالعلم الراسخ، والزعم بأن بعض الحقائق ما زالت موضع شك وبحاجة إلى دراسة هو ما يسميه العلماء اليوم «صناعة الجهل»، وقد لقي هذا المصطلح سخرية واستهزاء في البداية، ولكن مع مرور الوقت أصبح الناس يشعرون أنهم بحاجة لمزيد من المعرفة عن هذا المصطلح.
العدد 1216 –3- 12 -2024