الثورة – مها دياب:
في ظل درجات حرارة تكسر الأرقام القياسية، وتحول إسفلت الشوارع إلى صحارى ملتهبة، برزت في مدينة دمشق ظاهرة تنقل تعيد تعريف مفهوم الرحلة اليومية للسوريين ضمن “الباصات المكيفة”
لأن ما كان يوماً مجرد وسيلة نقل مزدحمة و”فرناً متحركاً”، تحول إلى “كبسولة راحة” تمنح الركاب لحظات من الانتعاش وسط لهيب الصيف.
من المعاناة
لطالما ارتبطت صورة الباص الداخلي في الذاكرة الجمعية بالزحام الخانق، والنوافذ العالقة، وصراخ السائق، فيما يتصبب الركاب عرقاً وتعباً، ولكن المشهد اليوم اختلف مع دخول باصات مكيفة حديثة الخدمة، وباتت التعليقات إيجابية ومرحة من الجميع.
التحول لم يكن تقنياً فحسب، بل اجتماعياً أيضاً.. فالفرق بين باص قديم يصرخ محركه تحت وطأة الحمولة، وآخرٍ جديد تنبعث من مكيفه نسماتٍ باردة، فرقٌ يشعر به الركاب من اللحظة الأولى، وبسعرٍ جيد ومقبول في ظل ارتفاع أجور النقل للسرافيس والتكاسي.
لقد أصبحت هذه الباصات خياراً استراتيجيـاً ممتعاً للهروب من حر الشمس و ضغوط الحياة.
أصوات الركاب
التفاعل الشعبي مع هذه الخطوة جاء صادقاً وعفوياً، إذ عبر الركاب عن مشاعرهم بكلمات تتراوح بين الدهشة والامتنان:
منهم من قال؛ “كأنه باص من عالم موازٍ.. دخلت أول مرة وأنا متشكك، لكن البرودة كانت صدمة سعيدة!”
ومنهم من قال: “لم أعد أخاف أن أصل إلى عملي وأنا منهك من الحر.. حتى أطفالي صاروا يطلبون ركوب الباص”.
وآخر قال”هذه الباصات أعادت لي ثقتي أن التغيير ممكن، حتى في أصعب الظروف.”
وآخر أكد “أن ركوب الباص المكيف… خفف الكثير من المعاناة والمشهد الهادىء بحد ذاته يقول كل شي”.
تأثير اجتماعي
لم تقتصر آثار هذه الباصات على تخفيف الحر بل أحدثت تحولاً في السلوكيات اليومية، لأن شعور الركاب أنهم “يستحقون” راحة بسيطة، بعد سنوات من التهميش.
أدى إلى تقليل التوتر وانخفاض المشاجرات اليومية المعتادة داخل الباصات بفضل تحسن الظروف.
و أدى إلى التشجيع على استخدام الباصات باعتبارها أصبحت تحفظ الكرامة وكحل اقتصادي لإنقاذ للأسر من كلفة سيارات الأجرة الباهظة، خاصة مع الأزمات المعيشية.
تعميم التجربة
ومع نجاح هذه التجربة، طالب المواطنون بتوسعة المشروع ليشمل جميع الخطوط الداخلية، وتلك الممتدة إلى ضواحي دمشق، أيضاً زيادة عدد الرحلات في أوقات الذروة لتلبية الطلب المتزايد، مع أماني لربط المشروع بحملات توعوية للحفاظ على الباصات الجديدة ونظافتها.
نسمةٌ صغيرة
في بلدٍ يعيد بناء نفسه خطوةً بخطوة، تأتي هذه المبادرات الصغيرة لترسخ فكرةً كبيرة أن التطوير ليس رفاهية، بل حقٌ للجميع.
والباص المكيف لم يكن مجرد آلة تبريد،
بل رسالة تقول؛ إن السوريين، رغم كل التحديات، قادرون على صنع فرقٍ يبدأ بنسمة هواءٍ باردة… وينتهي بابتسامة.