ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
فرضت الحملات الانتخابية حتى الآن إيقاعها على الشارع السوري بمختلف مكوناته، وخلقت أجواء قد تكون من الناحية السياسية الأكثر عمقاً وتعبيراً عن التحول الحقيقي في مزاج الشرائح الاجتماعية والفكرية والثقافية، ونظرتها إلى المقاربات السياسية التي تتضمنها هذه الحملات، سواء أكان في عناوينها أم في شعاراتها أم في السياق الذي تنتجه.
واللافت أن المشهد يزداد حضوراً بالمعنى السياسي والإعلامي على حدّ سواء، ولا يخلو في بعض الأحيان من الازدحام الحقيقي في بعض تجلياته، وخصوصاً حين يندرج في سياق التعبير عن أشكال الحضور المختلفة، وهو ما يضيف إلى الإيقاع الشعبي المزيد من التفاعل والغنى الذي يراكم في نهاية المطاف النظرة التفصيلية لاستدلالات الصورة المتشكلة داخل المشهد.
من هذه البوابة قد تكون المقارنة صالحة ومعمولاً بها لاعتبارات تتعلق بالسلوك المستجد، ليس في الممارسة فقط، بل أيضاً في التفكير والنظرة إلى تعدد جوانب المشهد وحساباته المختلفة، وأحياناً إلى ما يمليه من متغير في بنية وثقافة الحضور ذاته التي تحاكي اليوميات السورية بمختلف اتجاهاتها وجوانبها، بل ترسم خطاً أفقياً من التأثير المباشر في تقاطعات الأولويات على خط الحملات باعتبارها الحامل الموضوعي والطبيعي لكثير من جوانب التحول الاجتماعي، وما يترجمه من سلوك في السياسة وفي البنى الفكرية المرافقة لها أو الموازية.
على أن ذلك كله قد لا يكفي للإحاطة بما ترسمه الخارطة وإحداثياتها في فهم المتحول الحقيقي في مزاج شعبي يملي شروطه على المشهد، ويترك تداعياته وما ينتج عنها من انعكاسات بنيوية وتنظيمية في العلاقة القائمة، بحكم أن الكثير مما جرى لم يكن متوقعاً، وربما غير مدرج في أجندات التعبير السياسي والإعلامي، أو في الحدّ الأدنى لم يكن ممسوكاً بشكل كافٍ كي يفضي إلى الجزم بأن ما يجري اليوم يعكس قناعة سورية بأن التجربة تجتاز الاختبارات المتتالية بنجاح يفوق الطموح في بعض جوانبه.
ما نقوله هنا ليس من باب الدعاية، ولا هو من زاوية الادعاء بقدر ما هو حقيقة ملموسة في الكثير من الجوانب التي تطفو على سطح المشهد، ونحن نرى حراكاً موازياً لمتابعة تفاصيل الحملات الانتخابية وما تحمله في جوانبها المختلفة من نقاط تقاطع وقضايا خلاف أو تباين، وتستعرض الأفكار المطروحة والنقاش المطوّل بين السوريين لكل ما يندرج تحت هذاالبند وبكل ما يتطلبه من تفاعل على مستوى القاعدة الشعبية التي سبقت النخبة في تفاعلها، كما تقدمت عليها في الاتفاق على البديهيات.
وهذا بحدّ ذاته قد يفسر إلى حدّ بعيد لماذا تبتعد الكثير من أدوات التحريض السياسي وخطاب التشكيك الغربي وبعض العربي عن ملامسة هذا الجانب أو الإشارة إليه، وتتعمد أن تتجاهل كل ما ينتج عنه، وفي أحيان كثيرة تقفز عنه في عملية مداورة مكشوفة وفاضحة وبطريقة سمجة، حتى إن بعضها على الأقل ومنذ أن انطلقت الحملات الدعائية تكاد ترسم حداً فاصلاً حال في كثير من الأحيان دون ذكر الانتخابات والابتعاد عن التعاطي مع هذا الشأن، مكتفية بما يردها من مواقف منسوخة وخطابات مجترة من قنوات ومنابر النفاق الغربي المحمول على عكاز الكذب والافتراء، فغابت صورة الداخل والمشاهد المتنقلة في مختلف المدن والبلدات السورية، واقتصرت صورتهم الافتراضية على لغة الادعاء مما يرد في الاسطوانات المشروخة.
في الحصيلة الأولية تبدو المحاكاة السورية لواقع الحملات الانتخابية أكثر نضجاً بكثير مما هو متوقع، وأكثر اتقاناً لدورها مما كان محتملاً، والأهم أكثر تفاعلاً مع محيطها وما تمليه من شروط التعاطي مع المناخ الذي أنتجها، وأشد التصاقاً بما تفرزه من المساحة المفترضة، وهو ما انعكس في المفاهيم، كما تجسد في المصطلحات والمفردات وصولاً إلى فرض الإيقاع الذي نجح فيه السوريون بإنتاج تجربة تصلح للمقارنة، وربما المحاججة السياسية والإعلامية رغم محدودية المدة التي مرت على انطلاق هذه الحملات، بما يعنيه ذلك من تراكم إضافي منتظر خلال ما تبقى، على قاعدة أن القادم سيكون أكثر وضوحاً وأكثر حضوراً.
لسنا بوارد التقرير المسبق.. لكنها السياقات التي تمرّ بها التجربة حين أعطت نتائج أولية تقود إلى الخلاصات الفعلية بأن الخصوصية السورية ليست ادعاء ولا هي من خارج سياق الواقع، بدليل أن الأزمة وما احضرته, وما نتج عنها, لم تحل دون الخوض في اختبار الذات واختبار اجتياز المفازات الصعبة التي تمتد يميناً وشمالاً وعلى الهوامش من الداخل والخارج.
والمحسوم حتى الآن أن السوريين حين قرروا كانوا يدركون مسبقاً إلى أين يقود قرارهم، وحين يختارون يعرفون أيضاً – ومسبقاً – إلى أين تمضي خياراتهم في المواجهة وفي السياسة، كما هي في خوض غمار الاستحقاق من بوابة التحدي والثقة بكسب الرهان الذي تترجمه معطيات التفاعل مع الحملات الانتخابية على الأقل.
a.ka667@yahoo.com