الثورة – حوار أحمد صلال- باريس
شغل المفكر والباحث السوري الدكتور رشيد الحاج صالح منصب عميد لكيلة الآداب في جامعة الفرات، قبل أن يفصله النظام المخلوع من جميع جامعات سوريا عام 2012. صدر له عدد من الكتب والدراسات البحثية، تناولت شؤون الثورة السورية وقضايا ثقافية وسياسية يترأس حالياً هيئة تحرير مجلة قلمون وهو باحث في قضايا ما بعد الحداثة والتغيير الديمقراطي والنزعة الثقافوية في العالم العربي المعاصر.
صحيفة “الثورة” التقت به وكان هذا الحوار حول سوريا وثورتها التي انتصرت.
المرحلة الانتقاليّة
– بداية ما تقييمك لمسار انتصار الثورة السوريّة سياسيًّا عسكريّاً وإنسانيّاً بعد مرور شهور على التحرير؟
لا شك أن انتصار الثورة السّورية في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 شكّل مفاجأة للجميع بعد تراجع الهمم بسبب مواقف المجتمع الدولي غير المبالية بما يحصل في سوريا خلال السنوات الأخيرة.
اليوم دخلت سوريا مرحلة تسمّى في الأدبيات السياسية بالمرحلة الانتقالية، وهي مرحلة غالباً ما تكون معقّدة ومتعدّدة التحديات وذلك بسبب المهمّات الكثيرة التي ينتظر الجميع تحقيقها. وهي مهمّات مختلفة تتعلّق بضمان السلم الأهلي ومعاجلة الوضع الاقتصادي المهترئ وإعادة تأسيس الجيش وضمان مسار يقبله الجميع للعدالة الانتقالية، وفوق كل ذلك إعادة تأهيل السياسة الخارجية ووضع سوريا في المجتمع الدولي.
في الواقع سجلت الحكومة الجديدة نجاحاً مهماً في مختلف المسارات، ولكن بنفس الوقت مازالت هناك مهمّات لم تكتمل، ومهمات تحتاج إلى تكثيف الجهود، ولكن المسار العام معقول والإنجازات التي تحقّقت إلى اليوم كبيرة بالقياس للمدة القصيرة.
– ما التحدي الأكبر أمام السوريين اليوم؟
هناك ثلاث تحديات كبرى تواجه الحكم الجديد، وهي بالمناسبة متداخلة وتؤثر في بعضها البعض، الأولى هي تحقيق استقرار أمني وحالة من السلم الأهلي، وهذه مهمة مرتبطة بتأسيس جهاز أمني ودمج الفصائل في جيش وطني يمثل الجميع، وكذلك بإصلاح القوانين وتمكين الدولة، الثانية معالجة الوضع الاقتصادي والفقر المدقع الذي يعاني منه أغلب السوريين، وهذه مهمة تحتاج إلى إصلاح اقتصادي وسياسات اقتصادية فعّالة وإعادة ترميم البنية التحتيّة في سوريا، أما الثالثة مهمّة وضع مسار فعّال وعملي للعدالة الانتقاليّة، وهذه المهمة تحتاج إلى عمل طويل وإحداث لجان وطنية لتحقيق العادلة، فالسوريون اليوم قلقون من وجود بعض الشخصيات التي أجرمت بحق السوريين ولم تتعرض للمحاسبة، بل مازالت تمارس نفوذها في عدد من الحالات. طبعاً الحكومة الجديدة أنشأت لجنة للعدالة الانتقاليّة والإعلان الدستوري تضمن مواد حول العدالة الانتقاليّة، ولكن السوريّون ينتظرون المزيد من الإجراءات.
– كيف يبدو الموقف الدولي والإقليمي من الحكومة السوريّة الجديدة؟
من الواضح أن الحكومة الجديدة حقّقت نجاحاً باهراً في مجال السياسة الخارجيّة وإعادة تموّضع سوريا في المجتمع الدولي.
على المسار العربي أقنعت الحكومة الجديدة الدول العربية الفاعلة بأن أمنها واستقرارها فيه مصلحة للجميع. كما فتحت مرحلة جديدة مع العرب تقوم على التعاون وحسن الجوار والعمل على تحقيق المصالح المشتركة. أما النجاح في رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية فقد أكد أن السياسة الخارجية السورية أصبح لها دور كبير ولم تعد تقتصر على بيانات الإدانة والشجب التي اشتهرت بها وزارة خارجية النظام المخلوع.
لقد مرت سوريا في الأشهر القليلة الماضية بفترة صعبة على الجميع. طرحت الحكومة الجديدة مجموعة من المبادئ التي ستقام عليها سوريا المستقبل ومن أهمها: المواطنة ومساواة الجميع أمام القانون بغض النظر عن أديان أو طوائف أو قوميّات السوريين. تحاول الحكومة الجديدة، قدر استطاعتها، نزع فتيل الفتنة وتحقيق سيادة الدولة السوريّة.
– هذا يقودني إلى سؤالك عن عقدة تواجه الحكومة السورية الجديدة اليوم، هناك دعوات ومطالبات بتطمين الأقليات، وفي المقابل الثورة يجب عليها أن تسعى إلى دولة حقوق ومواطنة لا تقوم على المُحاصصة ولا تعد سلفاً بأي امتيازات خارج دولة المواطنة المنشودة هذه؛ ألا يتعارض الأمران؟
في الحقيقة الأمر يحتاج إلى رسم سياسات ووضع مبادئ والتزام بهذه المبادئ. الأساس هو دولة المواطنة والقانون، وانخراط الجميع بشكل مباشر في الشأن العام. في المرحلة القادمة ستصدر قوانين وقواعد بتشكل أحزاب يمكن للجميع ممارسة الشأن السياسي من خلالها. الطمأنينة تأتي إذا الدولة كانت حاسمة في محاسبة كل من يتجاوز القانون ويحرض ويرتكب الجرائم فهذه ضمانة للجميع. وأعتقد أن على الدول أخذ هذه المهمة بجديّة كبيرة في المرحلة القادمة.
– أثرت أكثر من مرة موضوع اليسار ودوره ومواقفه خلال الربيع العربي. في إحدى مقالاتك، قمتَ بانتقاد ما أسميته “يسار داعم للاستبداد بحجة المسألة الوطنية”. كما ذكرتَ كيف تحملُ الثورات العربية إلى اليسار مزيجاً من التحدي الوجودي والفرصة التاريخيّة. في ضوء المواقف المتخبطة لليسار في الشأن السوري تحديداً هل تعتقد أن “بعض اليسار”، على الأقل، فوّت هذه الفرصة؟
في الحقيقة أنا أعتقد أن المشاكل التي يعاني منها اليسار الراديكالي السوري هي نفسها التي يعاني منها اليمين. وعلى العموم الانقسام الحقيقي الذي أركز عليه هو بين من وقف مع النظام المخلوع وأيّده ومن وقف ضده وعارضه. أليسار بدوره انقسم إلى قسمين بين مؤيد ومعارض. ولكنه عموماً وبحجّة معاداته للغرب الرأسمالي وسياساته الاستعماريّة خدع نفسه وقرر الوقوف إلى جانب النظام المخلوع، وهذا هو سبب عدم ثقة أغلب السوريين برموز هذا اليسار. للأسف أغلب رموز هذا اليسار أظهر أنه غير مسؤول، ويفضل الاحتفاظ بمصالحه الشخصية والمزايا التي منّها النظام لبعض المثقفين. القسم الثاني من أليسار أصبحت قضيّة القضايا عنده مهاجمة الإسلام السياسي على الرغم من أن هذا الإسلام هو ضحية النظام وكانت يقتسم السجون مع اليسار.
– مجلة قلمون توثّق الثّورة، وأنت تشغل منصب رئيس تحريرها، ما آخر أخبار المجلة؟
مجلة قلمون للعلوم الاجتماعية هي مجلة أكاديمية علمية محكمة، وهي مجلة مستقلة مجانية. بلغ عمر مجلة قلمون 8 سنوات واكبت خلالها مسار الثورة السوريّة المؤلم وانتصاراتها والمرحلة الانتقاليّة بالأبحاث والدراسات الأكاديميّة والتحليل البحثي لأوضاع السوريّين على مختلف المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. نعمل حالياً على عدّة ملفّات صدر بعضها والبعض الآخر في طريقه للنشر. آخر أعداد المجلة كان بعنوان “السياسات الاقتصاديّة في سوريا”، أما العدد الذي سيصدر في نهاية هذا الشهر فهو عن مسار العدالة الانتقاليّة وإشكاليّاته.