الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي

تحقيق – هلال عون

قال لي أحد الخبراء أن خسائر خزينة الدولة نتيجة سرقات الكهرباء تجاوزت 300 مليار ليرة عام 2015 حين كان سعر الصرف للدولار 300 ليرة، أي أنها بسعر الصرف الحالي ستتجاوز 10.000 مليارات ليرة.
كلام الخبير السابق الذي قدّم مقترحات وحلولاً علمية لمشكلة الطاقة عموماً ومشكلة سرقات الكهرباء، كان حافزا لإجراء هذا التحقيق الذي يتحدث عن الفساد والبيروقراطية التي تعيق إيجاد حلول لهذا النوع من المشاكل، حيث إن دراسة فنية رائدة لإيقاف سرقة الكهرباء قدمها الصناعي، الأستاذ فيصل عطري لوزارة الكهرباء قبل حوالى 10 سنوات، لكنها لاقت الإهمال، ليستمر الفساد الممنهج.. سنتابع تفاصيل غريبة في هذا التحقيق:

“حاميها حراميها”

يبدو أن الفساد ثقافة تتأصل في شخصية الإنسان مع مرور الزمن.
ومع ممارستها يوماً بعد آخر، دون عقوبة رادعة، تصبح أمراً روتينياً، بل تصبح مكافحتها أمراً مستهجناً، خاصة عندما تكون الطبقة الحاكمة بأحزابها وقياداتها المختلفة، التي يُفترض أن تكون قدوة، غارقة في الفساد.

يروي المحامي ( خ . ص)، لصحيفة الثورة، حادثةً طريفةً عن الفساد، لكنها واقعية رغم نشازها، يقول: “منذ حوالى عشر سنوات زارني جار لي، يسكن في البناء الذي أسكن به في منطقة المزة 86، وشرب عندي القهوة، وحدّثني طيلة الجلسة عن الفساد المستشري في البلد، وعن الفاسدين، وعن أن مكافحة الفساد أمر مستحيل لأن الشعب كله فاسد..”
يتابع المحامي حديثه فيقول: “تواصلتْ زيارات جاري اليومية لي، وكل أحاديثه عن الفساد والفاسدين.. وفي تلك الأيام كانت الكهرباء تَفصُل عن بنائنا، نتيجة فصل قاطع خزان الكهرباء المغذي للبناء، بسبب ضغط الحمولة، فجئنا بكهربائي ليعيد توزيع الخطوط الواردة من الخزان على الشقق، فأخبرنا الكهربائي بأن هناك خطاً مأخوذاً قبل العداد بشكل غير نظامي، وسماكته 5 ملم، ( سرقة كهرباء)..
وبعد تتبّع الخط تبيّن أن خط سرقة الكهرباء لجارنا إياه صاحب الحديث الدائم عن الفساد والفاسدين، وكان يشغل السخانات والدفايات والمكيفات في كل غرف منزلة ليل نهار”
ويوضح المحامي أن جاره إياه أخبره أن الذي مدّد له الخط المسروق هو موظف الكهرباء (قارئ العدادات) مقابل مبلغ محدد.

في مخالفات كفرسوسة

“أبو النور”، قال ل” الثورة”: استأجرت منزلاً في مخالفات كفرسوسة بين الأعوام 2007 و2012، وأصلحتُ عداد الكهرباء، وبدأتُ أدفع فواتير الكهرباء، فاستغرب المؤجر ذلك، واستهجنه، ثم جاءني بخبير ليوقف عداد الكهرباء.. وكانت المفاجأة أن المؤجر أصيب بالصدمة حينما رفضتُ إيقاف العداد.
وأخبرني أن جميع سكان مخالفات كفرسوسة لا يدفعون فواتير الكهرباء، ولا أحد يفتح بابه لقارئ العداد، والذي يفتح بالغلط يدفع مبلغاً زهيداً ويسجل له الحد الأدنى ( المدعوم 100 – 500 كيلواط ساعي).

عدادات ذكية

تقول أرقام وزارة الكهرباء المنشورة في الصحف الرسمية عام 2015 أن قيمة خسائر الخزينة العامة للدولة نتيجة سرقة الكهرباء هي 300 مليار ليرة سورية، أي عندما كان سعر صرف الدولار حوالى 400 ليرة..أي أن الخسائر الناتجة عن سرقة الكهرباء اليوم تتجاوز ال 4000 مليار ليرة سورية.
يقول الصناعي، الخبير الاقتصادي والتقني الأستاذ فيصل عطري: “ظروف سرقات الكهرباء المعروفة ببلدنا دفعتني لتقديم دراسة عام 2015، تتضمن مقترحات لمعالجة هذه المشكلة التي تدعم الخزينة العامة بذلك المبلغ (300) مليار ليرة الذي يذهب في معظمه إلى جيوب الفاسدين”.
ويتابع: “قدمتُ دراسة عن واقع الكهرباء في سورية عام 2015، تضمًنتْ أسعار الكهرباء وقيمة الدعم الذي تقدمه الحكومة وحجم السرقات … الخ.
كما تضمّنتْ الدراسة اقتراحات لحل مشكلة الكهرباء في سوريا عبر تركيب “عدادات ذكية” مربوطة بالأنترنت، ويمكن فصل الكهرباء آليا عن المتخلفين عن سداد فواتيرهم”.

يضيف الأستاذ عطري:

“منصات إعلامية عربية نشرت الدراسة تلك، وأسمتها دراسة وحلولاً واقتراحات فريدة، لكن للأسف، لم يكن هناك استجابة فعلية”.
ويشرح ما حدث: ” على الصعيد الاجتماعي، تم تشويه الفكرة واعتبار أنها “تمييز ضد بعض المواطنين”، وهذا غير صحيح إطلاقاً، بل يجب أن نتساءل: ألا يعتبر تمييزاً أن يملك أحدهم مولداً خاصاً ويستمتع بالتيار، بينما يحتمل جيرانه الضوضاء والتلوث بسبب محرك المولد”؟!!.

البيروقراطية عطلت المشروع

وعن ردّ الوزارة، أكد عطري أن “الرد الأولي هو التجاهل، لكن في عام 2020 أُرسلت الدراسة إلى مركز بحوث الطاقة بالوزارة، وهناك بقيت دون تنفيذ بسبب ظروف جائحة كورونا.
وفي 2023 طلبوا متابعتها مجدداً، لكن الأمور البيروقراطية عطلت التقدم”.
وعن الفساد الذي لم يكن مسموحاً الحديث عنه في العهد البائد، في هذا المجال ، قال عطري هو فاتورة الجهات الرسمية التي لا تسدد قيمة ماتستهلك، وهي واحدة من أهم أسباب استنزاف القطاع.

شرح الآلية المقترحة

وعما إذا كانت دراسته مازالت قابلة للتنفيذ بعد مرور عشر سنوات عليها، لجهة أن يكون سبقها التطور التقني والتكنولوجي: “نعم قابلة للتنفيذ، وبكل تأكيد، بل إن التكنولوجيا الحديثة جعلت تنفيذها أسهل وأوفر، بل وأكثر فاعلية.
و”يمكن تعديل الحل المقترح، بحيث يقوم على بناء منظومة كاملة من العدادات الذكية ذات الاتجاهين (On Grid)، أي تسمح للمستخدم ببيع الفائض من الطاقة إلى الشبكة أو شراء ما يحتاجه منها”.
و”هذه العدادات تتصل عبر شبكة 5G ، وتقدم إضافة لميزات المشروع السابق ميزات جديدة مثل:
– “كشف التعديات بشكل آلي وآني ودقيق جداً”.
– “تحديد أسعار مرنة حسب نوع المشترك (سكني، تجاري، صناعي) وحسب توقيت الاستخدام”.
– “توفير شريحة كهرباء ممتازة مقابل سعر أعلى، مما يقلل التقنين ويوفر مورداً يمكنه المساهمة بتسديد جزء من فاتورة الدعم”.
– “تنبيه المستخدم عند الاقتراب من حد الاستهلاك الشهري”.
– “قراءة العداد وإدارة القطع وإعادة الوصل عن بعد”.
– “تشغيل نظام التسعير المتغير حسب ساعات الذروة، بدلاً من التقنين”.

استقدام مستثمر صيني

وعن قيمة “العداد الذكي” وما إذا كان بإمكان الفقراء تركيبه؟ قال عطري: “أنا أميل لتصنيعه في سورية بحيث يصل ليد المستهلك بحدود 10-12دولارا.
ويمكن التعاون مع مستثمر صيني مثلاً لنقل التكنولوجيا وتصنيعها داخل سورية، مما يساهم في خلق فرص عمل ودعم الاقتصاد المحلي.

ويرى عطري أن الهدر في المياه و الكهرباء يشكل ضرراً كبيراً على الاقتصاد الوطني، وأن حل العدادات الذكية سيؤدي إلى:
تقليل الفاقد، وتوفير الكهرباء بطريقة أكثر كفاءة، وتقديم تسعيرة مخفضة خارج أوقات الذروة يساهم باستقرار الشبكة الكهربائية ويحقق منفعة متبادلة، حيث يحصل المواطن على كهرباء رخيصة ويخفف الضرر الحاصل بالشبكة نتيجة التباين الكبير بالأحمال.
وبيّن أنه، من خلال ربط العدادات بتقنية On Grid ، يمكن لأي مواطن أو منشأة صغيرة أو كبيرة أن يساهم في إنتاج الطاقة (عبر ألواح شمسية أو توربينات هواء، أو حتى مولدات كهربائية) ويبيع الفائض منها للمؤسسة، دون أي تعقيدات.

اقتراحات

واقترح عطري على الحكومة الحالية أن تركز على الأمور التالية:
– معالجة الضياعات في الشبكة.
– الاستفادة من الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، وذلك بإنشاء مشروع  محطة CSP في صحراء تدمر، كما في المغرب.
– الطاقة الريحية، إذ يمكن إنشاء مزرعة رياح كبيرة في حمص أو حتى في البحر.
– استغلال المساحات المتاحة على أسطح المباني والمصانع لتوليد الطاقة الشمسية.
– تغطية مواقف السيارات بالألواح الشمسية وربطها مع الشبكة أو مع محطات الشحن.
وذكر قصة واقعية توضح الفكرة: “في أحد مصانع بطاريات الليثيوم التي تحتاج كهرباء كبيرة، وجدت أن جميع الأسطح قد غطيت بالألواح الشمسية، حتى المرآب الذي يحتوي على السيارات الكهربائية.
مدير المصنع قال لي بكل فخر: استهلاكنا من الكهرباء أصبح شبه صفر، وتمكنّا من خفض الأسعار أمام المنافسين”.
هذا هو المستقبل… وعلينا أن نبدأ به اليوم.
العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً، بل حل واقعي، ممكن، واقتصادي.
إذا بدأنا فيه الآن، سنسرع بحل مشكلة الكهرباء.

آخر الأخبار
توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي