الثورة – فؤاد الوادي:
لم يكن قرار مجلس الأمن الدولي رفع اسم الرئيس أحمد الشرع من قائمة العقوبات الدولية، ليل الخميس – الجمعة، مجرد قرار عادي، بقدر ما كان قراراً استثنائياً وفارقاً في تاريخ المجلس الدولي الذي يتفق للمرة الأولى منذ إنشائه في العام 1945 على قرار يعكس تحولاً استراتيجياً في علاقة العالم مع سوريا الجديدة، بعد عقود من العزلة والتشكيك والتردد بالتعاون المثمر مع النظام البائد نتيجة سياساته ومشاريعه الأيديولوجية التي كانت ترتكز على المحاور والانغلاق والمصالح الشخصية.
القرار “2799” والذي حصل على موافقة 14 عضواً من أعضاء المجلس الـ 15، بعد أن امتنعت الصين عن التصويت، يحمل بين طياته الكثير من الرسائل والدلالات، سواء إلى الداخل السوري، أو إلى الخارج بعموميته، لاسيما بعد الزخم العربي والدولي الكبير الذي تسارع خلال الأشهر العشرة الأخيرة من أجل دعم دمشق وإعادة الارتباط بها وفتح صفحة جديدة من التعاون المثمر الذي يضع الأدوار الحقيقية للدول على سكتها الصحيحة.
مفاعيل إيجابية وتحديات
بحسب الباحث في العلاقات الدولية والسياسات، الدكتور عبد المنعم الحلبي، فإن رفع اسم الرئيس الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب مما يسمى بـ”قائمة الإرهاب”، هو إجراء طبيعي في سياق الاستراتيجية الأميركية الداعمة لدمشق والتي بدت تتوضح منذ أشهر تجاه سوريا، وهذه الاستراتيجية هي سياسية واقتصادية وأمنية – عسكرية.
ويضيف الحلبي في حديثه لصحيفة “الثورة”، أن المفاعيل الإيجابية للقرار ستكتمل بعد اللقاء المرتقب بين الرئيس الشرع، ونظيره الأميركي، دونالد ترامب، حيث من المتوقع انضمام سوريا لـ “التحالف الدولي”، وتبلور اتفاق أمني “سوري – إسرائيلي”، متوازن يأخذ بعين الاعتبار عدم تحويل دمشق إلى رأس حربة لمواجهة خصوم إقليميين، خارج الحدود والمبادئ الوطنية.
وتدرك دمشق جيداً أن حجم تحدياتها يتزايد ويتضاعف مع كل قرار دولي داعم، ومع كل خطوة إيجابية نحوها، وهو ما يفرض عليها جهوداً إضافية وعملاً دؤوباً مضاعفاً، لاسيما في ملفات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وإعادة إعمار ما دمره النظام البائد وتسهيل عودة اللاجئين السوريين وملفات الحفاظ على وحدة الأراضي السورية من الانقسام والتقسيم ومخططات الانفصال، لذلك فإن هذا القرار الدولي الجديد سيكون دافعاً ومحفزاً جديداً للماكينة السورية في مختلف المجالات على الأرض، وبما يواكب ويحاكي جهود العمل الحثيثة السياسية والدبلوماسية على المستوى الخارجي.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في العلاقات الدولية، أن الشرعية الداخلية للدولة السورية، تستند إلى أسس مرتبطة ببناء نظام أكثر انفتاحاً على مختلف المكونات السورية، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين السوريين والحفاظ على الحريات، وقيام الدولة بمسؤولياتها في تحقيق الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات الأساسية، وإنهاء واقع المخيمات، وتحقيق مقتضيات العدالة الانتقالية وتعويض ذوي الضحايا وتعويض المتضررين.
رغم التحول في القرار الدولي يبقى الملفت فيما أقر ليل أمس الخميس، أنه كتب بحبر أميركي، أي أنه جاء بمبادرة من الولايات المتحدة، وهذا ما يجسد حقيقة التحولات الأميركية والغربية الاستراتيجية تجاه الدولة السورية الجديدة، وهذا ما عبر عنه المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، خلال جلسة مجلس الأمن أمس بالقول: إن “تبني هذا القرار يبعث برسالة سياسية قوية تعترف بأن سوريا في عهد جديد، وأن الرئيس الشرع يعمل بجد من أجل تحقيق التزامات بلاده في محاربة الإرهاب”.
في محاكاة القرار، لا بد أن تطفو سريعاً على السطح، الجهود السياسية الاستثنائية التي لا تزال تقوم بها الدبلوماسية السورية في المحافل الدولية، والتي أثمرت خلال أشهر قليلة من عمر الدولة السورية إنجازات كبيرة لا تقاس بكلمات، بقدر ما تقاس بما سوف يتحقق خلال المرحلة الحالية والقادمة، وهنا لا بد أن نشير إلى ما قاله وزير الخارجية، أسعد الشيباني، في منشور على موقع “إكس” (تويتر سابقاً)، من أن الدبلوماسية السورية تؤكد مجدداً حضورها الفاعل وقدرتها على تحقيق التقدم بخطوات ثابتة في إزالة العقبات وتهيئة الطريق نحو مستقبل سوري أكثر انفتاحاً واستقراراً.
لكن وبرغم الإجماع الدولي على هذا القرار، إلا أن هناك دولة واحدة امتنعت عن التصويت، وهذا يحمل رسائل ودلالات عميقة، بعضها يذهب يحاكي الموقف الصيني من قرارات الولايات المتحدة، وبعضها الآخر يحاكي الموقف الصيني من الدولة السورية الجديدة، ووفقاً للباحث السياسي، الدكتور عبد الحكيم المصري، فإن امتناع الصين عن التصويت لصالح القرار، هو يخفي بين طياته موقفاً صينياً لجهة الدولة السورية، فهو يحمل رسالة إلى دمشق بأن العلاقة مع الصين لا تزال بعيدة عن الطموحات الصينية، سواء بعلاقة استراتيجية تدعم بكين، أو بعلاقات اقتصادية واستثمارية تعيدها
إلى سوريا كحليف قوي ومتوازن في لعبة السياسات والمحاور الدولية.
مرحلة مختلفة من التعاون
لكن وبكافة الأحوال، فإن قرار مجلس الأمن بالأمس، سوف يفتح الأبواب على مرحلة مختلفة من التعاون مع سوريا، من منطلق دورها وحضورها التاريخي الفاعل والمؤثر في المنطقة، لاسيما إذا ما أضفنا لذلك النجاحات والإنجازات التي حققتها دمشق خلال الفترة الماضية التي أعقبت سقوط النظام البائد، والتي سوف يضاف إليها إنجازات أخرى مع الزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة والتي يتوقع أن تكون بداية النهاية للعزلة والقطيعة مع سوريا.
زيارة الشرع إلى واشنطن التي يدعمها قرار مجلس الأمن، ستكون إيذاناً بانطلاق عجلة النهوض والإعمار وبشكل متسارع ومن داخل “البيت الأبيض”، وهذا ما استبقه الرئيس الأميركي بقوله فجر اليوم الجمعة في تصريحات له من داخل البيت البيضوي: إن “الرئيس السوري رجل قوي، وأنا على وفاق معه بشكل جيد، رفعنا العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة، وأعتقد أنها تقوم بعمل جيد حتى الآن”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد وافق أمس على رفع اسم الرئيس أحمد الشرع من قائمة العقوبات الدولية بعد تصويته لصالح مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة.
وحصل مشروع القرار على موافقة 14 عضواً من أعضاء المجلس الـ 15، بينما امتنعت الصين عن التصويت، كما تضمن القرار رفع اسم وزير الداخلية السوري أنس خطاب من القائمة ذاتها.
وفي كلمته عقب التصويت على القرار الأميركي، أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير إبراهيم علبي، أن سوريا ترحب بقرار مجلس الأمن الدولي وترى فيه دليلاً على الثقة المتزايدة بسوريا الجديدة وشعبها ونهجها البنّاء الصادق في التعامل مع مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
وقال علبي: إن “مشروع القرار يأتي انسجاماً مع القرار التاريخي والشجاع للرئيس الأميركي دونالد ترامب بدعم سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية السانحة”، متوجهاً بالشكر لأعضاء المجلس على تفاعلهم الإيجابي مع مشروع القرار.
وأوضح علبي، أنه للمرة الأولى ومنذ سنوات طويلة توحد المجلس في دعم سوريا والوقوف إلى جانب شعبها، معرباً عن ترحيب دمشق باعتماد القرار الذي ترى فيه دليلاً على الثقة المتزايدة بسوريا الجديدة وشعبها وقيادتها ونهجها البنّاء الصادق في التعامل مع مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
وأشار علبي، إلى أن قرار اليوم يمثل في وجه من وجوهه ثمرة الانخراط الإيجابي والمتواصل مع سوريا خلال الأشهر الماضية، كما يجسد في وجهه الآخر دور المجتمع الدولي البنّاء في مواكبة التغيرات الإيجابية على الأرض، مبيناً أن القرار هو انعكاس لإرادة السوريين والسوريات ولإرادتهم للعودة إلى المكان الطبيعي لبلادهم بين الأمم، والمضي بثقة وأمل نحو بناء سوريا الجديدة الجامعة لأبنائها كلهم، وبناء مستقبلها القائم على الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة والازدهار والتنمية.
ترحيب عربي ودولي
من جهتها، أعربت نائبة السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، ماجدة موتشو، في كلمة نيابة عن المجموعة العربية، عن ترحيب المجموعة باعتماد القرار “2799” الذي قدمته الولايات المتحدة، وقالت: “يشكل هذا القرار منعطفاً أساسياً في سبيل تعزيز المؤسسات الوطنية للجمهورية العربية السورية والتأسيس لمرحلة جديدة ترتكز على دولة القانون التي تضع أمن وسلامة وتنمية المواطن في صلب أولوياتها، ويشكل هذا الزخم الإيجابي فرصة لنؤكد أن المجموعة العربية تقف إلى جانب سوريا وأهلها من أجل المضي قدماً على درب التقدم والازدهار”.
بدوره، أكد مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، أن التصويت لصالح القرار يعكس التزام المجتمع الدولي بأمن سوريا واستقرارها ودعمه لمسار إعادة بناء مؤسساتها الوطنية، موضحاً أن الجزائر تؤمن بأن العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، ووفق القرار 2254، تمثل الطريق الوحيد لبناء سوريا جديدة شاملة لجميع أبنائها، مجدداً استعداد الجزائر للإسهام في أي جهود دولية تعزز الاستقرار والتنمية في البلاد.
من جانبه، أكد المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، أن اعتماد القرار يبعث إشارة سياسية قوية تفيد بأن سوريا بدأت فصلاً جديداً من تاريخها منذ الإطاحة بنظام الأسد، مشيراً إلى أن الحكومة السورية الجديدة تعمل بجدٍّ للوفاء بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب والمخدرات وإنهاء أي بقاء للأسلحة الكيميائية، إضافة إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين وقيادة عملية سياسية شاملة يملكها السوريون أنفسهم.
في ذات السياق، أعلن مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، أن بلاده صوتت لصالح القرار الأميركي كونه يشكل لحظة فارقة بعد عام على سقوط النظام البائد، معرباً عن ترحيبه بالتقدم الذي أحرزته الحكومة السورية في مسار التحول السياسي ومكافحة الإرهاب.
المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، جيروم بونافون، رحب باعتماد القرار، مشدداً على أنه يمثل خطوة أساسية لدعم التعافي الاقتصادي في سوريا وتمكينها من تلبية احتياجات شعبها.
إلى ذلك، أشار مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إلى أن بلاده صوتت لصالح القرار باعتباره يعكس مصالح وتطلعات الشعب السوري، مؤكداً أن موسكو تأمل أن يسهم القرار في تعزيز التعافي الاقتصادي والتنمية خلال المرحلة الانتقالية الراهنة.
وشدد المندوب الروسي على ضرورة تقديم الدعم الدولي لإعادة الإعمار دون فرض شروط مسبقة، وعلى تمسك بلاده بوحدة وسيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ورحبت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في بيان لها بقرار مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، والذي يُعدُّ أول قرار للمجلس بعد سقوط النظام البائد، ويعكس وحدة الموقف الدولي تجاه دعم استقرار سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقلالها السياسي.
وجاء تمرير مشروع القرار نتيجة الجهود التي قامت بها واشنطن خلال الأشهر الماضية، وقبيل الزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى واشنطن الإثنين القادم، والتي سيلتقي خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان وزير الخارجية والمغتربين، أسعد حسن الشيباني، أعلن الأحد الماضي أن الرئيس الشرع يعتزم زيارة العاصمة الأميركية واشنطن خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، مشيراً إلى أن ملف إعادة إعمار سوريا سيكون محوراً رئيسياً في مباحثاته هناك.
من جانبها، أكدت المتحدثة باسم “البيت الأبيض”، كارولين ليفيت، أول أمس الأربعاء، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيستقبل الرئيس الشرع يوم الإثنين المقبل في “البيت الأبيض”، موضحةً أن اللقاء يأتي ضمن جهود الإدارة الأميركية لتعزيز السلام العالمي.