قرار مجلس الأمن وفتح أبواب “البيت الأبيض”.. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية 

الثورة – عزة شتيوي:  

فتحت بالأمس بوابة مجلس الأمن لمرور سياسي ودبلوماسي سوري، شكل لحظة فارقة في تاريخ كل من سوريا والمنظمة الأممية، والتي تفاعلت بكامل أعضائها – وهي من المرات النادرة لقرار سوري – باستثناء الصين، على شطب اسم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية (قائمة الإرهاب)، ما يعكس وقوفاً سورياً متوازناً على أرضية السياسة الدولية ويفتح أفقاً دبلوماسية تخطو من خلاله دمشق على سجاد ترحيب العواصم العالمية دونما تعثر بالعقوبات أو تشكيك بالشرعية، خاصة أن تمرير القرار بهذا الزخم الدولي يبدو بمثابة بطاقة دعوة للجلوس السوري على طاولات التفاهمات الدولية في صفحة تاريخية جديدة، دفعت لأجلها أثمان باهظة.

ولكن كيف يمكن لهذا القرار كشف التحول الاستراتيجي في الدبلوماسية السورية، بل وهل قرار مجلس الأمن الذي صدر ليل الخميس – الجمعة، فتح أبواب “البيت الأبيض” أمام سوريا؟

إجماع دولي بغياب الفيتو

القرار الذي صوت لصالحه 14 عضواً في مجلس الأمن، ليل الخميس – الجمعة، من أصل 15 لرفع اسم الرئيس الشرع ووزير الداخلية خطاب من قائمة العقوبات الدولية، كتبت مسودته بيد واشنطن التي كانت قد وعدت بإعطاء فرصة للحكومة السورية الجديدة، ويبدو أن الأخيرة تفي بوعودها اليوم بعدما اختبرت جدية دمشق في تغيير سياساتها المرهقة التي رسخها النظام المخلوع من خلال نهج الإدارة السورية الجديدة، والتي بذلت فيها الدبلوماسية السورية جهوداً خلال عام مضى استطاعت خلاله فتح الأبواب المغلقة والمستعصية أمام العلاقات السورية الدولية، وإصلاح القنوات الدبلوماسية خاصة مع الدول الغربية لتظهر أوروبا وأميركا مجدداً على خرائط الحسابات السورية بعد أن شطبها النظام البائد بعنجهية الفشل السياسي.

دبلوماسية دمشق التي يقودها وزير الخارجية أسعد الشيباني، كسرت عزلة السوريين وبدأت مرحلة سورية جديدة رحبت بها دول العالم، وأول مؤشرات هذا الترحيب هو توافق مجلس الأمن الدولي لأول مرة منذ سنوات طويلة على تمرير قرار يخص سوريا وهو ما أشارت إليه وزارة الخارجية في بيانها الليلة الماضية، حيث قالت: إن هذا القرار يعكس الثقة المتزايدة بقيادة الرئيس الشرع ويعبر عن إرادة المجتمع الدولي في دعم جهود الدولة السورية وبناء مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار والازدهار، ويمثل انتصاراً للدبلوماسية السورية التي نجحت في إعادة الاعتراف الدولي بمكانة سوريا ودورها المحوري في المنطقة.

في حين عكست كلمة مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أثناء جلسة مجلس الأمن – التي على غير عادتها كانت طارئة وغير مجدولة – رغبة دمشق في تكوين سياسة جديدة قائمة على التفاهم والدفع نحو المصالح المشتركة مع الدول، حيث أكد أن دمشق تسعى وتعمل لتكون سوريا دولة سلام وشراكة لا ساحة للنزاعات وتصفية الحسابات وستكون منصة للتنمية والازدهار لا منصة للتهديد أو لتشكيل الأخطاء.

جوهر القرار وانعكاساته

تدرك دمشق أن رفع العقوبات عنها هو بداية الطريق وليس منتصفه حتى، فالمهمة أمام الإدارة السورية الجديدة ثقيلة وصعبة؛ خاصة أن التوازن على الأرض الدولية يتطلب تفكيك ألغام ومخلفات سياسات النظام المخلوع.

على الرغم من أن قرار مجلس الأمن أكد التزامه القوي بالاحترام الكامل لسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ودعمه المستمر لشعبها وعزمه على تعزيز إعادة الإعمار والاستقرار والتنمية الاقتصادية في سوريا على المدى الطويل، إلا أنه أشار بحسب الورقة التي اطلعت عليها صحيفة “الثورة”، بأن تتخذ سوريا عدة تدابير حازمة كحماية حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات والنهوض بالعدالة الانتقالية، والقضاء على أي بقايا أسلحة كيميائية، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.

أيضا حث القرار الإدارة السورية، على إقامة عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ويمتلكون زمامها؛ ما يعني أن التسهيلات الدولية أمام الغرف السياسية في دمشق يترتب عليها الكثير من الجهود، وتنبع من حجم التعويل على هذه القيادة لحل الملفات الشائكة والمرتبطة ليس فقط داخل البلاد، بل بالمنطقة ككل.

ترحيب أممي وتمنع صيني!!

حظي قرار مجلس الأمن حول سوريا باهتمام محلي ودولي واسع، وسلطت الأضواء على ما بين السطور في كلمات الدول الأعضاء، حيث قال الأكاديمي في جامعة “هارڤرد” ورئيس مجلس إدارة منظمة “مواطنون من الجالية السورية الأميركية”، الدكتور بكر غبيس، في تصريح لصحيفة “الثورة” حول قرار مجلس الأمن: إنه “قرار تاريخي وعنوان لمرحلة سورية جديدة”.

غبيس في حديثه بيّن أن هذه الجلسة الأممية حول سوريا مختلفة عما كانت عليه الجلسات في عهد النظام المخلوع، حيث الانقسامات الدولية والتراشق بالفيتو – كلنا يذكر خاصة الفيتو الروسي والصيني المزدوج – الأمر الذي يعكس الدبلوماسية الفاشلة في عهد نظام بشار الأسد الساقط، حسب قوله.

الجلسة الأممية الأخيرة، أعطت وفق تحليل غبيس، انطباع الانسجام والتوافق الدولي حول سوريا من خلال قرارها، وكلمات الوفود حول سوريا، وهو ما أسست له الدبلوماسية السورية وسلوك الإدارة الجديدة بدمشق، والتي عملت على مد جسور التفاهم والحوار مع كل الدول، الأمر الذي عزز نية المجتمع الدولي في دعم استقرار سوريا عبر أرفع تمثيل للإرادة الدولية من خلال مجلس الأمن.

وأشار الدكتور غبيس إلى أن جهود الدبلوماسية السورية ونشاطها المكثف، تجلى في أبهى صوره من خلال إجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تعزيز الثقة بالرئيس الشرع وقيادته.

وحول امتناع الصين عن التصويت في جلسة مجلس الأمن، علق غبيس بأن بكين تضع عقبة ملف المقاتلين الأجانب في عجلة دمشق الدولية، لأنها عاجزة في الوقت الحالي على تدوير الزوايا السياسية تجاه سوريا أمام الداخل الصيني، ولا تريد إبراز براغماتية بكين بشكل واضح؛ خاصة أنها غالت كثيراً في دعم النظام المخلوع، وتحاول تغيير سياساتها مع الإدارة الجديدة تدريجياً، ولعل أولى هذه الخطوات هي عدم استخدام الفيتو والاكتفاء بالامتناع عن التصويت.

واشنطن والحبر السري!

في كواليس المشهد الدولي حول سوريا تبرز واشنطن كمحرك أساسي لفك العزلة الدولية عن سوريا، ولعل الزيارة الأولى والتاريخية المرتقبة للرئيس الشرع إلى واشنطن الاثنين المقبل تعكس الموقف الأميركي الجاد والمدرك لأهمية استقرار سوريا وانعكاس هذا الاستقرار على الشرق الأوسط.

ومن هذا المنطلق سعت واشنطن لشطب اسم الرئيس الشرع من العقوبات الدولية عبر تمرير مسودة قرار مجلس الأمن، قبل أيام معدودة من موعد الزيارة، الأمر الذي يرى فيه مراقبون سعي واشنطن لاستكمال الشروط البروتوكولية لزيارة الرئيس السوري.

الولايات المتحدة من جهة أخرى لديها رؤية أوسع تحدثت عنها الصحف الأميركية، والتي أكدت أن الزيارة تحمل مصافحة اقتصادية وأمنية، وبرز ذلك في عناوين ومقالات صحيفتي “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”، اللتين رصدتا الترحيب بزيارة الشرع إلى أميركا، مؤكدتين على أنها تعكس تغيراً محتملاً في النظرة الأميركية إلى سوريا ودورها الإقليمي والدولي.

كما تشير إلى رغبة الولايات المتحدة في الدخول بعقود استثمارية طويلة الأجل تخلق مصالح مشتركة مع سوريا، ولما هذه المصالح من خلق توازنات على صعيد المنطقة.

الداخل السوري يترقب

لا شك في أن الأجواء في الداخل السوري تحمل آمالاً كبيرة بعد هذا الانتصار الدبلوماسي لدمشق في الأروقة الدولية، لكن السوريون يترقبون انعكاسات المشهد السياسي والدبلوماسي وآثار الزيارة السورية لأميركا على الوضع الاقتصادي والداخلي بشكل عام، ويعلقون أمنياتهم على أبواب العام الجديد بأن يكون جسر العلاقات الدولية الجديدة لسوريا حاملاً لأقدام الاستثمارات وتحريك عجلة الاقتصاد بالتوازي مع العجلة الدبلوماسية التي تبدو سريعة ومتوازنة.

آخر الأخبار
بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية  إنجاز دبلوماسي جديد لسوريا في مجلس الأمن  الرئيس الشرع  في قمة (COP30)  :  إرادة الشعوب قادرة على تجاوز كل التحديات مهما عظمت   "  الخارجية " لـ"الثورة".. مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة لرفع العقوبات  "روح الشام" دعم المشاريع الصغيرة وربطها بالأعمال الخيرية الشرع يشارك في فعاليات مؤتمر قمة المناخ (COP30) مصدر مسؤول في "الخارجية": لا صحة لما نشرته "رويترز" عن القواعد الأميركية في سوريا الرئيس الشرع يلتقي غوتيريش على هامش أعمال مؤتمر قمة المناخ (COP30) مبادرة "لعيونك يا حلب" تعيد تجهيز المقاعد المدرسية  الرئيس الشرع يجتمع مع وزير الخارجية الإيطالي على هامش(COP30)  العدالة البيئية كجزء من العدالة الوطنية.. رسالة الرئيس الشرع في COP30 صيانة شوارع السوق التجاري في مدينة درعا