الثورة – علي إسماعيل:
في معرض حديثه للصحف الدولية اليوم الجمعة، قال الرئيس السوري، أحمد الشرع، إن هناك علاقات استراتيجية كثيرة بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن سوريا موقعها حساس في العالم والآن بدأت تأخذ دورها الإقليمي والعالمي، مضيفاً: أن “من مصلحة كثير من الدول أن يكون لديها علاقات استراتيجية مع سوريا ومن مصلحة سوريا أن يكون لديها علاقات استراتيجية مع الدول الأخرى”.
وتابع الرئيس الشرع، أن سوريا استطاعت أن تصنع نوعاً من التوافق الكبير ما بين دول من الصعب أن تتوافق على شيء في هذا الوقت فهذا مؤشر إيجابي لربما تكون فاتحة خير أيضاً لحل الكثير من المشاكل الأخرى العالقة في العالم، هناك الكثير من الدول ساهمت وساعدت سوريا لرفع العقوبات عنها وإعادة تموضعها الإقليمي والعالمي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن، أيضاً الدول الأوروبية ساهمت بشكل كبير في رفع العقوبات منها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
أن يتوافق مجلس الأمن وتتوحد الإرادة الدولية حول قرار يخص سوريا ليل الخميس – الجمعة، هو بيت القصيد في لحظة بدت كأنها انتزعت من صفحات التاريخ، فدوّى في الأروقة الدولية قرار عكس نجاح المسار الدبلوماسي السوري، وصحة مقارباتها السياسية الخارجية والداخلية أيضاً.
قرار مجلس الأمن شطب اسم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، كان بمثابة تفكيك حقيقي لجدران العزلة الكاملة التي أحاطت بسوريا لسنوات، ودليل واضح على تحول عميق في المجتمع الدولي وإرادة جدية في التغيير لجهة التعاطي الدولي حيال دمشق.
القرار اتخذ خلال جلسةٍ طارئة وغير مجدولة دعا إليها الوفد الأميركي في مجلس الأمن الدولي، في خطوةٍ فاجأت حتى بعض الحلفاء التقليديين، ووفق مسودة القرار الأميركي، فإن واشنطن دفعت باتجاه رفع العقوبات وإعادة النظر في القيود المفروضة على القيادة السورية، تمهيداً لزيارة الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى “البيت الأبيض” الأسبوع المقبل للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
الحدث يعد بمثابة نقلة نوعية في أدوات العمل السياسي الدولي لنقل دمشق من المواجهات والعزل والعقوبات إلى الانفتاح والحوار والتعاون، هذا القرار وما يمثله من نتائج على المستوى الوطني الداخلي والسياسي الخارجي هو نجاح جديد يضاف لسلسلة نجاحات الدبلوماسية السورية.
وكان مجلس الأمن الدولي، قد وافق على قرار يتضمن رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، حيث تبنى المجلس هذا القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، بموافقة 14 من الدول الـ 15 الأعضاء، في حين امتنعت الصين عن التصويت.
ورحبت دمشق بالقرار معربة عن تقديرها للولايات المتحدة والدول الصديقة، حيث قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في منشور على صفحته الرسمية: “تعرب سوريا عن تقديرها للولايات المتحدة والدول الصديقة على دعمها سوريا وشعبها، مضيفاً أن الدبلوماسية السورية تؤكد مجدداً حضورها الفاعل وقدرتها على تحقيق التقدم بخطوات ثابتة في إزالة العقبات وتهيئة الطريق نحو مستقبل سوري أكثر انفتاحاً واستقراراً.”
في حين صرح مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أن “المجلس اليوم في دعم سوريا والوقوف إلى جانب شعبها ونرحب باعتماد هذا القرار الذي نراه دليلاً على الثقة بسوريا”.
مضيفاً أن القرار يمثل ثمرة الانخراط الإيجابي المتواصل مع سوريا خلال الأشهر الماضية ودور المجتمع الدولي البنّاء وهو انعكاس لإرادة السوريين في استعادة مكانة سوريا بين الأمم والمضي بثقة نحو بناء سوريا جديدة جامعة لكل أبنائها.
وسبق القرار الأممي إعلان الحكومة البريطانية في الحادي والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الفائت عن رفع “هيئة تحرير الشام” من قائمتها للمنظمات الإرهابية، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة، ما يمهد الطريق لتعميق العلاقات مع دمشق، ضمن إطار أولويات السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والهجرة، والتصدي لبرامج الأسلحة الكيميائية، وقالت حينها الحكومة البريطانية: إن “القرار يأتي بعد مشاورات دقيقة مع شركاء تنفيذيين وإدارات معنية، إضافة إلى تقييم شامل أجرته مجموعة مراجعة الحظر المشتركة بين الحكومات”.
رسائل العهد الجديد
من جنوب العالم كان الفتح الدبلوماسي السوري يشق طريقه نحو تعزيز الشرعية الدولية فكانت النتائج إيجابية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية، ناهيك عن لقاءات القيادة السورية على هامش مؤتمر “المناخ” في البرازيل، التي تهدف إلى تفعيل الانخراط السوري في المجتمع الدولي من مختلف البوابات العالمية.
أولى رسائل القرار الأممي الأخير هو تعزيز الشرعية الداخلية والدولية، لذلك عملت الدبلوماسية السورية على الاستثمار السياسي وانتهاج مقاربات محددة في التعاطي مع دول العالم والمنطقة من خلال الانفتاح والتجاوب البناء، والذي بدا واضحاً من خلال كلمات مندوبي الدول الأعضاء.
وفي لقاءٍ خاص مع صحيفة “الثورة السورية”، وصف المحلل والباحث السياسي، علي التيناوي، القرار بأنه نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات السورية – الدولية، مؤكداً أن ما جرى في مجلس الأمن يمثل نهاية لمرحلة الضغط والعزلة، وبدايةً لمسارٍ جديد من الواقعية السياسية.
وأضاف التيناوي: أن “ما يلفت الانتباه هو أن الجلسة جاءت بطلبٍ أميركي خالص، مما يعني أن واشنطن لم تعد تتعامل مع الملف السوري من زاوية العقاب بل من زاوية الشراكة الممكنة. إنّ شطب الأسماء من القوائم الأممية هو اعتراف غير مباشر بشرعية القيادة الجديدة في دمشق”.
وكان المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، قال عقب تبني القرار: إن “ذلك يبعث برسالة سياسية قوية تعترف بأن سوريا في عهد جديد”، مضيفاً أن الرئيس السوري أحمد الشرع “يعمل بجد من أجل تحقيق التزامات بلاده في محاربة الإرهاب”.
ومن المقرر أن يستقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نظيره السوري في “البيت الأبيض” يوم الاثنين المقبل، وقال ترامب في تصريحات، اليوم الجمعة، إن “الرئيس السوري رجل قوي، وأنا على وفاق معه بشكل جيد”. وأضاف “رفعنا العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة، وأعتقد أنها تقوم بعمل جيد حتى الآن”.
نتائج متوقعة
ولأن النجاح السياسي هو جزء من النهضة الشاملة بطبيعة الحال وبضرورة التلازم بين الاقتصاد والسياسة فلابد للقرار الأممي من نتائج إيجابية على مختلف المستويات وأبرزها المستوى الاقتصادي الشامل، ويرى التيناوي، أن التوقيت بالغ الأهمية، إذ يسبق زيارة الشرع إلى واشنطن، وهو ما يشي بوجود تفاهمات أولية تتعلق بالأمن الإقليمي، وإمكانية التعاون في إعادة الإعمار.
كما أشار التيناوي في معرض حديثه لـ”الثورة”، إلى أن القرار يعبّر عن إرادة دولية لتخفيف حدّة الاستقطاب بين الشرق والغرب في الملف السوري، وفتح قنوات تواصل مع الحكومة الجديدة على أساس المصالح المشتركة، بما يمهد لرفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الأوسع مثل قانون “قيصر”.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت قبل نحو أسبوع عن دعمها إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر” من خلال مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يناقشه المشرعون الأميركيون حالياً ضمن جدول أعمال “الكونغرس”، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية: إن “الولايات المتحدة على تواصل منتظم مع شركائها في المنطقة، وترحب بأي استثمار أو مشاركة في سوريا بما يدعم إتاحة الفرصة لجميع السوريين في بناء دولة يسودها السلام والازدهار”.
نقطة تحول استراتيجي
القيادة السورية تنتهج سياسة التوازن بعيداً عن الاستقطابات والتجاذبات والمحاور التي أخذت سوريا بعيداً عن موقعها الحقيقي في العالم والمنطقة، لذلك وانطلاقاً من هذه الرؤية تأتي الأحداث السياسية وما يتضمنها من نجاحات دبلوماسية سورية لتثبت صوابية النهج والقرار السيادي السوري فزيارة البرازيل والمشاركة في مؤتمر “المناخ” نجاح سوري توج بقرار أممي يمهد الطريق إلى “البيت الأبيض” لحصد المزيد من النجاحات التي تعد نقطة تحول استراتيجي لسوريا من دولة محاصرة إلى لاعب إقليمي ودولي رئيسي.
وفي هذا السياق، يرى التيناوي، أن دمشق أمام بداية نهاية مرحلةٍ طويلة من العزلة، وبداية حوارٍ سياسي واقتصادي معقد لكنه ضروري. فسوريا اليوم ليست الدولة المحاصرة التي كانت بالأمس، بل طرفٌ لا يمكن تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط، مضيفاً بالقول: “على ما يبدو أن الشرق الأوسط يستعد لمرحلة جديدة من توازنات القوى. فقرار شطب الرئيس الشرع ووزير داخليته من قوائم الإرهاب ليس مجرد إجراء، بل رسالة سياسية عميقة وتحول دولي واسع يقول إن مرحلة القطيعة انتهت، وأن العالم بدأ يعترف بواقعٍ جديدٍ في سوريا”.
وفيما تتجه الأنظار إلى اللقاء المرتقب بين الشرع وترامب، تبقى الحقيقة الأوضح أن سوريا عادت إلى الطاولة، لا كملفٍ يُناقش، بل كفاعلٍ يُحاور ويُحسب له حساب.