الثورة – إيمان زرزور
انطلقت صباح اليوم الاثنين، 16 حزيران 2025، أولى قوافل عودة النازحين من مخيمات دير حسان في ريف إدلب الشمالي إلى بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، وذلك برعاية إدارة منطقة خان شيخون وبإشراف إدارة كتلة حيش، في خطوة تعبّر عن تمسّك السكان بحقهم في العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية التي هُجّروا منها قسراً بفعل الحرب والدمار.
وضمّت القافلة 46 عائلة من المهجّرين، عادت إلى منازلها رغم التحديات الصعبة، في مشهد يعكس حجم الإصرار الشعبي على استعادة الحياة في بلدة الهبيط، وفتح صفحة جديدة من الاستقرار بعد سنوات طويلة من النزوح والمعاناة.
وتُمثل هذه العودة محطة مفصلية في مسار ترسيخ صمود الأهالي، وتأكيداً على أن حق العودة هو حق ثابت لا يسقط بالتقادم، وأن العودة إلى الديار ليست مجرد خطوة مكانية، بل فعل إرادة يتجاوز الجغرافيا إلى إعادة الاعتبار للانتماء والأمل في مستقبل أفضل.
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، تعرّض ملايين السوريين للنزوح القسري، سواء داخلياً أو خارجياً، نتيجة العمليات العسكرية والقصف والتدمير الواسع للبنية التحتية، لا سيما في المناطق الريفية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، اضطُرّ مئات الآلاف من سكان القرى إلى اللجوء إلى المخيمات أو مناطق أكثر أمناً، خصوصاً في شمال البلاد، مثل ريف إدلب الشمالي ومحيط الحدود التركية.
رغم الرغبة الواسعة بين السكان في العودة إلى قراهم الأصلية، واجهت هذه العودة عوائق كبيرة، أبرزها الدمار الواسع الذي طال المنازل والمرافق الخدمية، وغياب البنى التحتية الأساسية من ماء وكهرباء ومراكز صحية ومدارس، وكذلك الخوف من الألغام والذخائر غير المنفجرة في المناطق التي شهدت معارك، والظروف الأمنية الهشة في بعض المناطق، سواء بسبب بقايا التنظيمات المسلحة أو غياب سلطة مدنية مستقرة.
مع بدء مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، تبذل المجالس المحلية والإدارات المدنية، بدعم من الحكومة السورية الانتقالية وشركاء محليين ودوليين، جهوداً متواصلة لإعادة تأهيل القرى المتضررة، بما يشمل إصلاح البنية التحتية الأساسية تدريجيًا، وتأمين خدمات صحية وتعليمية أولية، وتقديم دعم إنساني مباشر للعائدين من خلال سلال غذائية ومساعدات طارئة، وتوفير الحماية القانونية والأمنية لتشجيع العودة الطوعية الآمنة والكريمة.
تُمثل عودة الأهالي إلى قراهم أكثر من مجرد عودة مكانية، فهي استعادة للهوية والانتماء، وتأكيد على التمسك بحق العودة كحق قانوني وإنساني، وتُعد هذه الخطوات أيضاً مؤشراً على بداية التعافي المجتمعي، إذ تتيح للناس إعادة بناء حياتهم، واستعادة شبكاتهم الاجتماعية، والمشاركة في جهود الإعمار المحلي.
وفي ظل الأوضاع الانتقالية التي تشهدها البلاد، يُنظر إلى هذه العودة على أنها ركيزة أساسية في مسار العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية، وشرط جوهري لتحقيق استقرار دائم ومستدام.