الثورةـ راغب العطيه:
لا يغيب عن بال سوريا، وهي تخطو نحو التعافي وإعادة إعمار وبناء، ما دمره النظام البائد، الدور المحوري والحيوي لأبنائها المنتشرين في مختلف بقاع العالم، حيث يشكل المغتربون السوريون، بجالياتهم المتنوعة وخبراتهم المتراكمة، كنزاً وطنياً حقيقياً يمتد تأثيره ليشمل جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للوطن الأم سوريا، فالعلاقة بين الطرفين، علاقة عضوية لا تنفصم، تتجدد باستمرار بروح الانتماء والعطاء.
ويضطلع المغتربون السوريون بدور دبلوماسي وشعبي لا يُستهان به، فهم سفراء غير رسميين يمثلون صوت سوريا الحقيقي في المجتمعات التي يعيشون فيها، حيث يتمثل دورهم السياسي في دعم القضايا الوطنية، من خلال العمل على شرح حقيقة ما يجري في سوريا، ومواجهة حملات التضليل الإعلامي المعادي للشعب السوري، وحشد الدعم الدولي لجهود الدولة في مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار، كما لهم دور كبير جدا في مد جسور التفاهم والتعاون بين سوريا وبلدان الاغتراب، والمساهمة في تهيئة المناخ لرفع العقوبات الاقتصادية الغربية التي تضر بالشعب السوري، كما يُعتبر المغترب السوري رافعة أساسية للاقتصاد الوطني، من خلال التحويلات المالية التي تدعم آلاف الأسر، وكذلك عبر نقل الخبرات ورؤوس الأموال، ومساهمتهم في المشاريع الاستثمارية محورية، لدعم عملية إعادة الإعمار، خاصة في قطاعات الطاقة، الزراعة، والصناعة، إضافة إلى نقل الخبرات والمعرفة، فالمغتربون يمتلكون خبرات متقدمة في مجالات الطب، والهندسة، والتكنولوجيا، والأعمال، وتسهيل عودة هذه الكفاءات أو الاستفادة منها عن بعد، عبر الاستشارات والتدريب، يسهم في تطوير القطاعات الحيوية وتحديث المؤسسات السورية بما يتناسب مع المعايير العالمية.
دعم إنساني وإغاثي
وخلال سنوات الحرب، لعبت الجاليات السورية دوراً ريادياً في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، كإنشاء المستوصفات ودعم المؤسسات التعليمية والمبادرات التنموية المحلية، كما تعمل الفعاليات والروابط والجمعيات السورية في الخارج على الحفاظ على الهوية السورية الجامعة وتعزيز التواصل بين المغتربين والوطن، بما يضمن تماسك النسيج الاجتماعي رغم البعد الجغرافي، وطالما أدى المغتربون دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على التراث السوري العريق ونقله إلى الأجيال الجديدة وتعريف العالم به، من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية والأدبية التي تعرض الفن والتاريخ السوري، ما يضمن بقاء الهوية الثقافية السورية حية في نفوس أبنائها في الخارج، وهو ما ينقل صورة سوريا الحقيقية كبلد حضارة وتاريخ، ويساهمون في إثراء الحوار الحضاري بين الشرق والغرب.
قصص نجاح
وفي ألمانيا يظهر الاندماج السياسي للسوريين تباينات واضحة، بين الراغبين في الانخراط في الحياة السياسية في هذا البلد، وبين المتحفظين حول هذا الأمر، ومع بروز قصص نجاح حققها الكثير من السوريين، كالمهندس تامر غزال في مقاطعة آوغسبورغ لاند بولاية بافاريا جنوب شرق ألمانيا، تتكشف إمكانية المساهمة الفاعلة للاجئين السوريين في الحياة العامة الألمانية.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن عدداً من السوريين يترددون في الانخراط في المنظمات السياسية والمدنية، بسبب تجارب سلبية سابقة مع الانتماءات السياسية في سوريا خلال فترة حكم حزب البعث، بالإضافة إلى تحديات الاندماج المتعلقة بإتقان اللغة وضغط الحياة اليومية في ألمانيا.
ويبدي حزب الخضر (Bündnis 90/Die Grünen) ميلاً أكبر لدمج المهاجرين في صفوفه ومرشحيه، ويُعتبر أحد أبرز الأحزاب التي استقطبت لاجئين سوريين للمشاركة السياسية، خاصة على المستوى المحلي وفي مجالس الاندماج، حيث يجد السوريون في برامج حزب الخضر (التركيز على قضايا البيئة، ومناهضة التمييز، والاندماج الاجتماعي، والدفاع عن حقوق اللاجئين) أرضية مشتركة تدفعهم للانضمام في صفوفه أكثر من غيره من الأحزاب.
ويمثل انخراط اللاجئين السوريين في الأحزاب الألمانية فائدة مزدوجة للسوريين وللمجتمع الألماني نفسه، فهو يُثري الحياة السياسية الالمانية، بـمنظور جديد وتجارب مختلفة، ويضمن أن تُعبر القرارات المحلية والولائية عن مصالح شريحة كبيرة من السكان الجدد من جهة، وبنفس الوقت يتيح للاجئين السوريين إيصال صوتهم والدفاع عن حقوقهم، والتأثير في سياسات الاندماج والهجرة، وبالتالي، الانتقال من وضع المتلقي للمساعدة إلى شريك فاعل في بناء المجتمع الألماني.
رغبة جيل جديد
وفي هذا السياق تكسر حالة المهندس غزال، الصورة النمطية للاجئ، وتؤكد على أن الاندماج الناجح يعني أيضاً الانخراط في صلب العملية السياسية الديمقراطية، فبرز اسم غزال كشخصية تسعى لتمثيل قضايا المهاجرين واللاجئين في الحياة العامة الألمانية، معبرا عن رغبة جيل جديد من السوريين في ألمانيا بالمساهمة في صنع القرار
والمضي قدماً في عملية الاندماج.
وتعزز حضور المهندس غزال بعد أن رشحه حزبه الخضر لانتخابات المجلس المحلي لمقاطعة آوغسبورغ لاند بولاية بافاريا الألمانية، التي ستتم في 8 مارس/ ٱذار 2026، ليصبح بذلك أول سوري يترشح لهذا المنصب في تاريخ المقاطعة.
وأكد بيان قيادة الحزب بتاريخ 16 أكتوبر / تشرين الاول الماضي عقب اجتماع جمعيته العامة أن القائمة الانتخابية هذا العام تركز على تحقيق التوازن بين الجنسين، إذ تضم نساء أكثر من الرجال في المراتب العشرين الأولى، انسجاماً مع سياسة الحزب الداعمة للمساواة وتمكين المرأة في الحياة السياسية، بحسب موقع lak24 الذي يعنى باهتمامات ونشاطات العرب والسوريين في ألمانيا.
وشهدت جلسة الحزب التي عُقدت في مدينة شتاتبرغن (Stadtbergen) مشاركة واسعة من أكثر من 70 عضواً، اتسمت بالأجواء الإيجابية والنقاش البنّاء.
وذكر موقع lak24 أن المتحدثة باسم الحزب في المقاطعة يوليانه فنزلبرغ أعربت عن فخرها بـ”تنوع القائمة وتمثيلها الواسع لكل مناطق المقاطعة”، مشيرة إلى أن الحزب يضم مزيجاً من الوجوه الجديدة وأصحاب الخبرة السياسية.
وجاء تامر غزال، وهو مهندس معلوماتية ومدير قسم الشبكات في جامعة آوغسبورغ، ضمن المراكز العشرة الأولى في قائمة الحزب، إلى جانب مجموعة من الشخصيات السياسية المحلية البارزة مثل سيلفيا داسلر، رئيسة الكتلة في البرلمان المحلي، وفيليكس زينر، مرشح الحزب لمنصب المحافظ.
وكان غزال عمل في سوريا مهندساً تقنياً بقسم الأنظمة الأمنية للخطوط التلفونية لكامل مناطق شمال شرق البلاد في “شركة سيرياتيل”، وعمل في بداياته المهنية مدرس حاسوب، ومحرراً بقسم المعلوماتية في محلي “الدومري” و “شبابلك”، وهو حاصل على ماجستير في الهندسة المعلوماتية من “جامعة أوغسبورغ”، وبكالوريوس في هندسة الحاسوب تخصص أنظمة وشبكات، ودبلوم تقني في الهندسة الإلكترونية، وشهادة تخصص في أنظمة الذكاء الاصطناعي من “جامعة هلسنكي” في فنلندا، وشهادة تخصص في أتمتة الشبكات من “جامعة أوغسبورغ”.
وهو مدون بقسم “مدونات” لدى “موقع الجزيرة نت”، وعضو مجلس إدارة “دائرة مقاطعة أوغسبورغ”، و “مدينة كونيغسبرون”، وهو أول سوري يرشح لجائزة أكثر الشخصيات الملهمة في مجال الأعمال في مقاطعته.
يركز في أبحاثه العلمية على تطوير حلول مبتكرة لتحسين كفاءة الشبكات اللاسلكية، بما في ذلك تقنيات الاتصال المتقدمة “بيكسلز”.