محمد شريف جيوسي – كاتب أردني:
ماذا يعني تنفيذ العملية الإرهابية الإجرامية في الكلية الحربية السورية بحمص توقيتاً واختياراً؟.. وما أوجه اختلافها عن ما عداها من أعمال إرهابية قبل وبعد الحرب على سورية، وإلام ستقود هذه العملية القذرة بما حملت من رسائل؟..
لم تكن الكلية الحربية السورية هدفاً للمرة الأولى لعمل إرهابي، بكل ما يحمل هذا من معانٍ بأن الجيش العربي السوري هدف بذاته، باعتباره حامي الديار ومؤمن الاستقرار، ورمز الوحدة الوطنية ( كأي دولة في العالم ) والذي يحول دون تمدد العدو الصهيوني، وعلى عاتقه يؤمل تحرير الأرض العربية، بكل أشكال التحرير المباشر ومن خلف الأسوار.
لكن عملية يوم 5 تشرين الأول 2023، تختلف عن سابقتيها، من حيث استخدام مسيّرات في العملية القذرة، ومن حيث استهدافها مدنيين أيضاً من أهالي الخريجين، لتعظيم أعداد الشهداء والمصابين، وبهدف خلق حالة تذمر شعبي عبثاً، والنكوص عن أداء الخدمة الإلزامية وعن التطوع في الجيش، بظن المخططين والمنفذين الخبيث.
وأراد مخططو العملية تحقيق غاية أخرى، بضرب الرمزية الوطنية لحرب تشرين المجيدة، وما تقدم من دروس ومعان وطنية متوثبة إيجابية.
وأتت العملية لإضعاف ما حملته حالة الانفتاح العربي على سورية، وخاصة الخليجية، وما تحمله من إيجابيات لصالح سورية، بأن أعداءها من عصابات إرهابية وجهات داعمة مخططة ومنفذة، مستمرون في عدائهم، ويقفون بالمرصاد لمن يحاول فك الحصار عنها.
وتأتي العملية بعد أن فقدت واشنطن ولندن وباريس وبون صوابها، إثر زيارة الرئيس بشار الأسد للصين، وعقد شراكة إستراتيجية معها، وهو تحوّل أكثر من هام على صعيد العلاقات الثنائية السورية – الصينية، وعلى صعيد الإقليم والعالم، وخاصة أنه أتى بعد دور الصين المميز بعقد مصالحة سعودية – إيرانية، بكل ما تحتمل من معان وتداعيات، وبعد قرار أوبك + برفض تلبية الطلب الأمريكي بزيادة إنتاجها من النفط بعد قرار أمريكا والغرب الأوروبي بشن حرب ضد روسيا عبر أوكرانيا ــ كل هذه التحولات ، تبشر بأفول نجم أمريكا وشركائها من المنطقة لصالح خصومها.
وأتت العملية الإجرامية بعد تحول العشائر العربية شرق الفرات عن قسد ( الأداة الأمريكية )، وتحقيق نتائج طيبة ليست في صالح النفود الأمريكي إستراتيجياً في تلك المنطقة، وبعد ارتقاء العلاقات العسكرية السورية – الروسية في الأشهر الأخيرة إلى تنفيذ تدريبات عسكرية عالية، وتنفيذ عمليات عسكرية قوية ضد خروقات العصابات الإرهابية في مناطق خفض التصعيد في الشمال والشمال الغربي التي يعمل أردوغان على توطيد وجوده فيها، وتغيير الواقع العربي السوري فيها، وفي بادية تدمر.. ما يعني أن سورية بدعم روسي مشهود عازمة على تصويب الواقع السيء المُستَحدث واستعادة كامل التراب الوطني السوري.
وتستهدف العملية إضافة لما ورد في سياق المقاله، إشغال روسيا أكثر في سورية لتخفيف الضغط عن أوكرانيا، وتوجيه رسالة لها بالتصعيد في حال لم تقبل بمقايضة سورية بأوكرانيا، وإظهارها بمظهر العاجز ما يؤثر على الثقة بها وبصناعاتها العسكرية عالمياً.
وهي رسالة للصين أيضاً، أنها لن تسمح بحسبها بوجود صيني قوي في سورية والإقليم، وأن ذلك سيدفعها لتنفيذ أعمال إجرامية كبرى، (هذه عينة منها وباستخدام أسلحة جديدة لم يسبق أن أستخدمت في الحرب على سورية منذ بدء الحرب العدوانية عليها ربيع 2011، والتصعيد إلى أبعد مدى أحمق مهما كانت النتائج ).
لا أخال أن روسيا والصين وايران أيضاً لم تكن لتتوقع قيام أمريكا عبر أدواتها بأعمال إجرامية إلى هذا الحد، وإن لم تكن ربما لتتوقع أن يكون السلاح والتوقيت على هذا النوع، ولا أخال أنها تنحو إلى التهدئة وابتلاع الجريمة الوقحة المتحدية، بل ستنحو لتكثيف وجودها وتعاونها على كل الأصعدة مع سورية، بما في ذلك عسكرياً وإقامة إقتصاديات إستراتيجية تنموية.
الدولة الوطنية السورية قررت بلسان رئيسها الأسد غير مرة، أن كلفة صمودها ورفضها الخنوع، أقل بكثير من كلفة الخنوع، وهو ما أثبتته أيضاً وقائع التاريخ البعيد والواقع الحاضر، مهما بلغت التضحيات وضاقت ظروف العيش، وأقدّرُ أنها ماضية في ذات الخط، لا محيد عنه، بل أرجح أنها ستشتد أكثر في معادلة الصمود، وصولاً إلى تحرير كامل ترابها الوطني، وسط تعاطف عربي وإسلامي وعالمي، ودعم أكبر من الأصدقاء والحلفاء ومحور المقاومة، كما ستتجذر أكثر وقفة الشعب السوري مع دولته الوطنية، بل وسيتعمق ولاء وانتماء ووطنية السوريين الذي اضطرتهم العصابات الإرهابية والدعايات المضللة والضغوط لمغادرة منازلهم والهجرة، ما سيساعد على إسقاط المؤامرة الدولية، وما هو أبلغ (..).
