كيف يواجه الأطفال تحديات التكيف بعد سنوات من اللجوء؟ 

 إيمان زرزور – كاتبة إعلامية:

العودة للوطن من بلاد الاغتراب ليست مجرد عبور حدود، بل عبور نحو حياة جديدة محمّلة بمسؤولية عظيمة تجاه أرواح صغيرة بدأت غربتهم عندما انتهت غربة آبائهم الذين يحلمون منذ سنوات بالعودة للأرض والدار، لكن التحدي الأكبر أمام عودة هؤلاء اللاجئين ليست ظروف الحياة الصعبة أو المنازل المدمرة، بل الغربة التي سيدخلها أبناؤهم المولودون في بلاد الشتات، وإن كانت العودة لوطنهم الذي لا يعرفون منه إلا اسمه.

تغيب عن مشاهد عودة السوريين من بلاد الاغتراب، عقب سقوط نظام  الأسد، السبب الرئيس في غربتهم، والعائق الأكبر الذي منع عودتهم لسنوات، تحديات كبيرة، ربما استطاعت بعض العائلات تهيئة الظروف لها قبل سنوات، إيماناً منها بأمل العودة، في وقت غابت عن كثيرين لم يدركوا أهمية تنشئة أطفالهم وتحضيرهم لهذه اللحظات نفسياً وتعليمياً.

فوارق كبيرة تظهر كأحد أبرز العقبات والتحديات التي تواجه الأسر السورية العائدة إلى أرض الوطن لاسيما من الدول الأجنبية التي عاشوا فيها لسنوات، كبرت عائلاتهم ونشأ جيل جديد بعيدا عن أرض آبائه، تربطه بها الهوية التي لم يرها، والجنسية التي حُرم منها، واللغة التي افتقدها في المدارس التعليمية، تجعل نقله لمجتمع جديد تحديا كبيرا، سيكون من مهام الأسرة والمجتمع العمل بخطوات ثابتة لتمكينهم من التعايش مع الواقع الجديد.

يعود الأطفال إلى سوريا، أرض ومنشأ آبائهم، لكنها بعيونهم أرض غريبة، لم يألفوها، لا ذكريات لهم فيها، ولا شيء يشبه حياتهم خارج الحدود، إلى وطنٍ يبدو مألوفًا في ظاهره، لكنّه غريبٌ في تفاصيله، موحشٌ في صمته، قاسٍ في استقباله، فإعلان انتهاء غربة آبائهم هي بداية غربتهم.

العودة لم تكن كما تخيّلها الأطفال، لم تكن مشهدًا دراميًا ينتهي بعناق الوطن، بل كانت صدمة، وجدوا أنفسهم فجأة في بيئة لا تشبه تلك التي تركوها ولا تشبه التي حلموا بها، تغير كل شيء أمامهم فجأة: الأصدقاء، الشوارع، المدارس، واللغة، وكأنهم وُلدوا من جديد في بلد لا يعرفهم، وهم لا يعرفونه إلا عندما يخرج من شفاه آبائهم بعبارات الذكرى العابرة.

لا يحمل الأطفال العائدون إلى الوطن حقيبة سفر فقط، بل حملاً ثقيلاً من الذاكرة، وأخرى من الألم والخوف والحنين، لا نستطيع اختزال تجربة العودة في لقطات مؤثرة، فهي سلسلة طويلة من الارتباك النفسي، والصراعات الداخلية، والواقع الصعب الذي سيمرون به، والتي تتطلب تعاوناً مجتمعياً لتخفيف ثقل الصدمة.

هؤلاء الأطفال عاشوا في أمان نسبي، ولو كان في منفى واغتراب هم لم يشعروا به، بل ولدوا فيه، ثم عادوا إلى بلد يحمل ذكريات الحرب، أو ما تبقى منها، في بيئة جديدة قاسية، أصوات غريبة، وجدران مشققة مهدمة تذكرهم بما لا يعرفونه تمامًا لكنهم يخافونه.

اعتاد الأطفال أسلوب حياة مختلف، نظامًا تعليميًا آخر بلغة غير لغتهم هنا، يجد نفسه فجأة وسط مكان لا يعرفه، ولعل أحد أكبر المعضلات التي تواجه كثير من العائلات السورية إنها أهملت تعليم أطفالها لغتهم الأم بشكل علمي، فينشأ الأطفال على لغة البلد الذي ولدوا وعاشوا فيه وما تعلموه في مدارسه، وعند العودة للوطن، يشعرون بالاختلاف والعزلة، وكأن ما بينه وبين الآخرين جدارًا غير مرئي.

هذا عدا عن اختلاف المناهج، وطرق التدريس، وحتى حجم الفصول، يجعل الطفل في حيرة، وكأن عليه أن يبدأ من جديد، يجد نفسه متأخرًا عن أقرانه، فيفقد ثقته بنفسه، ويبدأ بالتراجع تدريجيًا عن محاولات التأقلم، أما الأطفال العائدين إلى مدن شبه مدمّرة أو مناطق لا تزال تعاني من هشاشة الخدمات، سيواجهون مشكلات نفسية كبيرة.

ليسوا أرقامًا… بل أرواحا تستحق الحياة:

على العائلة أولاً والمجتمع ككل، والمنظمات المعنية، أن نُدرك أن كل طفل عائد هو حالة إنسانية مستقلة، لا يمكن أن تُعالج بقرارات عامة فقط، هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى احتواء حقيقي، إلى من يصغي لهم، إلى من يعيد لهم إحساسهم بالأمان والانتماء، ويساعدهم على الاندماج الحقيقي في مجتمعهم.

ربما يكون الدعم النفسي أحد تلك الحلول من خلال برامج موجهة لهؤلاء الأطفال، يديرها متخصصون في الصدمات النفسية لدى الأطفال، يجب أن يشعر الطفل أن هناك من يفهم مشاعره، من يسمع دون أن يحكم، من يحتضنه دون أن يطالبه بالتبرير.

أيضاَ يبرز هنا دور المدرسة في أن لا تكون مكانًا للتعليم فحسب، بل يجب أن تكون بيئة علاجية حاضنة، وعلى المؤسسات التعلمية أن تُراعي الاختلافات، وتُخصص فصول تقوية، وتتبنى سياسات غير عقابية مع الطلاب العائدين، وتشجع الأنشطة التعبيرية والفنية التي تساعد الأطفال على استعادة ما فقدوه خلال سنوات ميزتهم عن أقرانهم في ذات الصفوف والأعمار.

كذلك دورات التأهيل التربوي للمعلمين في المراحل الدراسية الابتدائية: لا يمكن أن نطالب المعلمين بفهم هؤلاء الأطفال دون تدريب مسبق، مع  تنظيم ورش عمل للمعلمين والإداريين عن كيفية التعامل مع طلاب عائدين من بيئات مختلفة، وكيفية اكتشاف العلامات النفسية الصامتة التي تشير إلى وجود معاناة خفية.

وبالتأكيد الأسرة هي الخط الأول للدعم، فلا بد من توعية الأهل بدورهم في دعم أطفالهم نفسيًا، وعدم الضغط عليهم للتأقلم بسرعة، وعليهم أن يدركوا أن ما عانوه من لوعات الغربة في بداية نزوحهم واغترابهم هو ذاته ما يواجهه أبنائهم اليوم، ولكن بقساوة أكبر في بلد منهك بفعل الحرب، علاوة عن حجم الوعي والفارق في العمر وفهم الواقع والتعايش معه لأطفال لا يعرفون إلا حب الحياة.

فالعودة ليست مجرد عبور حدود، بل عبور نحو حياة جديدة محمّلة بمسؤولية عظيمة تجاه أرواح صغيرة لا تعرف كيف تعبّر عن ألمها، لكنها تشعر به بكل جوارحها، إنهم لا يطلبون الكثير، فقط أن نشعر بهم، أن نصدق مشاعرهم، أن نكون لهم وطنًا حتى قبل أن تطأ أقدامهم أرض الوطن.

 

آخر الأخبار
مياه " دمشق وريفها: لا صحة للفيديو المتداول حول فيضان نبع الفيجة  "موتكس" يعود كواجهة لمنتج النسيج السوري إطلاق الوكالة الأولى للسيارات الكهربائية بسوريا وتوريد أول 500 سيارة  ورشة العدالة الانتقالية توصي بتشكيل هيئة ومعاقبة المتورطين بالجرائم  "بطاطا من رحم الأرض السورية"..  مشروع وطني يعيد تشكيل الأمن الغذائي   مشاركون في قمة بغداد: مواصلة دعم سوريا ورفض أي اعتداءات  الوزير الشعار "يطمئن" على معمل الليرمون  بعثة طبية لـ"سامز" تستهدف عدة مستشفيات في سوريا الشيباني أمام قمة بغداد: سوريا لجميع السوريين ولا مكان فيها للتهميش أو الإقصاء البنك الدولي: سعداء بسداد متأخرات سوريا ومجال لإعادة التعامل  بمشاركة سوريا.. انطلاق أعمال القمة العربية الـ 34 في بغداد  ArabNews: فرصة تاريخية لانطلاقة إيجابية في بلاد الشام م. العش لـ"الثورة": قطاع التأمين سيشهد نقلة نوعية تطوير مهارات مقدمي الرعاية الاجتماعية في درعا   تحت إشراف مباشر من محافظ السويداء، عدد من طلبة السويداء يتوجّهون اليوم إلى جامعة "غباغب"..   كيف يواجه الأطفال تحديات التكيف بعد سنوات من اللجوء؟  استثناء الطلاب السوريين المتقدمين للشهادة اللبنانية من الحصول على الإقامة  شرطة درعا تعالج شكاوى سوق الحلال في مزيريب  MTN تبدأ بتفعيل الشريحة الالكترونية الإثنين المقبل أهال من نوى يتبرعون بـ 135 مليوناً لدعم المدارس