الثورة :
شهدت العاصمة الفرنسية باريس، لقاءً وُصف بأنه الأول من نوعه منذ عقود، بين وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني ووفد إسرائيلي رفيع المستوى، جرى خلاله بحث ملفات حساسة تتعلق بالاستقرار الإقليمي والجنوب السوري، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً على بداية مسار دبلوماسي غير مسبوق في العلن.
أفادت مصادر دبلوماسية أن النقاشات تركزت حول عدة قضايا أبرزها “خفض التصعيد في الجنوب السوري”، بما يشمل مراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، التي تشهد بين الحين والآخر محاولات لزعزعة الاستقرار، وتجديد الالتزام بعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي”، والبحث في آليات تعزز الأمن الحدودي.
كما تم التطرق خلال المباحثات إلى إعادة تفعيل اتفاق فصل القوات لعام 1974، بوصفه المرجعية القانونية الوحيدة التي تنظّم الوضع في الجولان السوري المحتل وتحدد خطوط التماس، ويُعد إعلان اللقاء عبر الإعلام الرسمي السوري بحد ذاته تطوراً مهماً، إذ إنه للمرة الأولى يجري الكشف صراحة عن محادثات سورية ـ إسرائيلية بهذا المستوى.
اللقاء تم برعاية أميركية مباشرة، في إطار وساطة تقودها واشنطن لفتح قنوات اتصال بين دمشق وتل أبيب، تحت عنوان “تعزيز الاستقرار وحماية الحدود”، وسط حديث متزايد عن دور أميركي في دفع الطرفين نحو تفاهمات مرحلية تخفف التوتر.
ويرى مراقبون أن دمشق تسعى إلى إيصال رسالتين أساسيتين “إثبات استقلالية القرار السوري” في إدارة الملفات الحساسة، بعيداً عن الوصاية الإقليمية السابقة، واختبار جدية الأطراف الدولية”، خصوصاً الولايات المتحدة، في دعم مسار يخفف الضغط الأمني على سوريا ويفتح نافذة نحو مفاوضات أوسع.
كما أن حضور فرنسا كمكان للقاء ليس تفصيلاً عابراً، إذ يحمل بعداً رمزياً بكون باريس لاعباً تاريخياً في مسار التفاوض العربي ـ الإسرائيلي، وواجهة دبلوماسية مقبولة لدى الأطراف.
وكان الوزير الشيباني قد التقى في عمان قبل أيام نظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، حيث جرى الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل سورية ـ أردنية ـ أميركية لمتابعة جهود تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء.
ويُنظر إلى لقاء باريس باعتباره استكمالاً لهذا المسار، لكن مع إدخال إسرائيل إلى دائرة التفاهمات بصورة مباشرة، ما يعكس رغبة أميركية في توسيع قاعدة الضمانات.
يُعد هذا اللقاء علامة فارقة، كونه يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الدبلوماسية السورية المعلنة تجاه إسرائيل، في وقت تبحث فيه دمشق عن تثبيت استقرارها الداخلي وإعادة تموضعها الإقليمي، وإذا ما تواصلت هذه اللقاءات بانتظام، فقد نشهد تحولات تدريجية في خريطة التوازنات الإقليمية، مع بقاء مسار “التطبيع” خاضعاً لاختبارات معقدة على الصعيدين الشعبي والإقليمي.