الثورة – تحقيق – سنان سوادي:
بعد أربعة عشر عاماً من الحرب، تواجه الحكومة السورية تحديات لإعادة بناء اقتصاد متين ومعافى، ويعد القطاع السياحي أحد أوجه النشاط الاقتصادي القادر على رفد الخزينة بالقطع الأجنبي، وجذب استثمارات، وتوفير فرص عمل، إذ تمتلك سوريا مقومات سياحية قادرة على إنتاج أنواع مختلفة من السياحة، وذلك بسبب التنوع المناخي ووجود البحر والجبال والغابات والبادية، إضافة للتراث الحضاري والثقافي والفني والتاريخي، من مدن أثرية وأوابد، وغيرها مما يؤهلها لتكون واجهة سياحية تستقطب السياح من مختلف بقاع الأرض.
الاستثمار السياحي
تُعرِّف المنظمة العالمية للسياحة الاستثمار السياحي، أنه “التنمية الاستثمارية للسياحة، التي تلبِّي احتياجات السياح والمواقع المضيفة لهم، إلى جانب الحماية وتوفير الفرص للمستقبل، ووضع القواعد المرشدة في مجال إدارة الموارد بطريقة يتم فيها تحقيق متطلبات المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبذلك يتحقق التكامل الثقافي والعوامل البيئية والتنوع الحيوي ودعم نظم الحياة”. ويُعرّف أيضاً، أنه “القدرة الهادفة لتكوين رأس المال المادي، وإعداد رأس المال البشري في المجال السياحي من أجل زيادة وتحسين طاقته الإنتاجية والتشغيلية، وتقديم أفضل الخدمات السياحية من خلال بناء الفنادق والمدن السياحية والمطاعم والمقاهي والمتنزهات، إضافة إلى إعداد كادر سياحي متخصص وكفوء.
أفضل أنواع الاستثمار
يرى الدكتور، رامز درويش، المتخصص بعلوم الاقتصاد، أن الاستثمار هو استخدام الأصول والأموال والموارد المتاحة في تحقيق أعلى عائدية من جراء ذلك، وهناك دول عربية وأخرى مجاورة اعتمدت على الاستثمار السياحي ونجحت في ذلك، وأصبح من أهم مصادر الدخل القومي لديهم، وبعض هذه الدول صحراوية كالخليج العربي، ومرتفعة الحرارة كمصر، ونسبة كبيرة من هذه المشاريع يديرها ويعمل بها خبراء وعمال سوريون، ولدينا جميع مقومات النجاح في الاستثمار السياحي، مثل المواقع السياحية المميزة في الساحل السوري التي تجمع بين البحر والجبل، والمواقع السياحية ذات الطابع البيئي، والمساحات الخضراء الواسعة والبحيرات والينابيع، والمواقع الأثرية والمتاحف، وانخفاض أجور اليد العاملة، والكوادر البشرية المؤهلة التي تتمتع بخبرة أكاديمية من الجامعات والمعاهد المختصة.
وبيّن د. درويش، في حديث خاص لصحيفة الثورة أنه لتحقيق الفائدة من الاستثمار السياحي، يجب أن تتحقق أكبر سرعة في دوران رأس المال، وأن يكون الاستثمار السياحي في الفنادق السياحية الثابتة والعائمة والشقق الفندقية والقرى السياحية، في شكل شراكة بين القطاع العام والخاص، سواء أكان وطنياً أم عربياً أم أجنبياً، بطرق مخططة ومدروسة، ولكل منهما واجباته وحقوقه والتزاماته التي تُرسم معالمها في إطار قانوني شامل، يحدد سنداً لقانون استثماري ينظم شكل العلاقة القانونية بين الدولة والمستثمرين.
دور الدولة وواجبات المستثمر
وأوضح أن دور الدولة محدد في مكونات أجزاء المنتجات السياحية، وتقديم التسهيلات والإعفاءات الضريبية، وإقامة مجلس إدارة مشترك مع المستثمر، وإصدار قانون لتسهيل الإجراءات الاستثمارية وتقديم الوثائق المطلوبة، وتحديد فترة إقامة المشروع الاستثماري. وتنحصر واجبات المستثمر في الالتزام بالمدة في الإنشاء، وحجم رأس المال المقدم من قبله، وتشغيل اليد العاملة، والأسعار في المنتجات السياحية المقدمة وما له وما عليه إلى غير ذلك. ولفت د. درويش إلى أن الاستثمار في القطاع السياحي من أفضل أنواع الاستثمار الاقتصادي، وعلى الحكومة أن تلتفت إلى ذلك، فهو يدفع عجلة الاقتصاد إلى الإمام، ويجذب رؤوس الأموال الأجنبية ويحقق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، ويسعى إلى إنجاز أهداف التنمية والتطوير.
قيمة مضافة
بدورها، رئيس قسم الاقتصاد والتخطيط في جامعة اللاذقية الدكتورة رولا إسماعيل ترى أن الاستثمار السياحي يجب أن يحقق قيماً مضافة للاقتصاد الوطني، إذ يسهم باستثمار الموارد الذاتية المحلية، وتشغيل اليد العاملة، وخاصة اليد العاملة لخريجي الجامعات، وكلية السياحة والمعهد الفندقي، ويوفر قطعاً أجنبياً عن طريق الاستثمارات التي تجذب السياح الأجانب، وتؤدي إلى توطين الناس في أماكن إقامتهم مثل الأرياف، لأن هذه الاستثمارات تشجع على إقامة الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، واستثمار منتجاتها عن طريق بيعها للسياح، مثل صناعة الخزف، القش السجاد اليدوي..الخ.
وبيّنت د. إسماعيل أن أول عوامل نجاح الاستثمار السياحي وأهمها هو توفر الأمان والاستقرار السياسي، والعامل الثاني يكمن في استقرار الاقتصاد الذي يؤدي لاستقرار سعر الصرف والأسعار والتكاليف، والبيئة القانونية.
فعند توفر القوانين المشجعة على الاستثمار وبيئة العمل المناسبة والمرونة والسرعة في إصدار الرخص الاستثمارية، يشجع هذا على تدفق الاستثمار في السياحة، سواء بالنسبة للمستثمر المحلي أم الأجنبي.
تحول السياحة إلى صناعة
وحتى تتحول السياحة إلى صناعة يجب أن توفر قيماً مضافة ومُدرّة للقطع الأجنبي وهذا يتطلب برأي د. إسماعيل الاستثمار بمواردنا الموجودة بأبسط أشكالها.. وطرحت مثالاً على ذلك سويسرا التي تمكنت من تحويل أراضيها المغطاة بالثلوج إلى أفضل وأكثر الأماكن جذباً للسياحة العالمية، وكذلك الإمارات العربية، والسعودية حولتا رمال الصحراء إلى أفضل المنتجعات.
لذلك نقول: يجب على الحكومة أن تفكر بطريقة اقتصادية وبطريقة خلق القيم المضافة من الموارد المتوفرة، وخاصة أن سوريا لديها تنوع من الثروات الطبيعة (البحر، الجبال، الصحارى، الآثار التاريخية، الأماكن الدينية) التي يمكن استثمارها بأفضل الطرق.
سياحة ساحلنا متأخرة
وأوضحت د. إسماعيل أن الاستثمار السياحي في الساحل السوري استثمار بطيء، ومتأخر عن الدول الأخرى، وخاصة الواقعة على البحر المتوسط، كتونس والمغرب، وتركيا ومصر، وتعتمد سياحتنا الساحلية على السوريين، في معظمها، ولم تجذب سياحاً أجانب على مر السنوات الماضية، ولم توفر قطعاً أجنبياً، وما تم فقط هو تدوير الكتلة النقدية المحلية بين المحافظات، ولم تشغل سياحتنا عدداً كبيراً من العمالة، بل كانت العمالة متواضعة جداً، لذلك لابد من وضع خارطة استثمارية تظهر أهم المواقع المراد استثمارها، الترويج لهذه الأماكن الاستثمارية لجذب المستثمرين لاستثمارها، وتوفير المناخ الملائم للاستثمار السياحي من حيث القوانين والتشريعات وبيئة العمل، وتمكين وتدريب العمالة المستعدة للدخول للعمل في القطاع السياحي، وربط السياحة بمهرجانات معينة، وعند تدفق ونجاح الموجة الأولى للاستثمار ستزداد الاستثمارات في السياحة.
الترويج الذكي
رجل الأعمال، عاصم أحمد قال لصحيفة الثورة، بخصوص كيفية الترويج للسياحة في سوريا: يجب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حديث لعرض صور وفيديوهات للطبيعة والشواطئ والجبال، مع تسويقها كوجهة “هادئة وآمنة” لعشاق الطبيعة والثقافة. ويجب تنويع الأنماط السياحية، ليس فقط السياحة الشاطئية، بل أيضاً السياحة البيئية (رحلات في الغابات والجبال)، والسياحة الدينية، والثقافية (زيارة المواقع الأثرية)، ويمكن دعم السياحة الداخلية عبر مجموعات سفر بأسعار مناسبة تشجع السوريين أولاً على استكشاف الساحل، ثم نقل هذه التجارب للعالم كقصص واقعية. وأضاف أحمد: يجب أيضاً تحسين الخدمات السياحية (فنادق صغيرة صديقة للبيئة، مطاعم تقدم المأكولات البحرية والمحلية، تنظيم النقل بين المدن الساحلية)، كذلك يجب تنظيم مهرجانات موسيقية، ثقافية، وبيئية على الشاطئ لجذب السياح الشباب والعائلات.