الثورة – علا محمد:
بخطوة وُصفت بالجريئة، ترأس وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور مروان الحلبي اجتماع مجلس التعليم العالي، وناقش المجتمعون مجموعة واسعة من القضايا التي تمسّ واقع التعليم العالي في سوريا، بدءاً من تطوير البرامج الأكاديمية وسبل تحسين جودة التعليم، وصولاً إلى ضبط آليات القبول الجامعي وتوحيد المرجعيات القانونية للمؤسسات التعليمية الحكومية.
وقد صدر عن المجلس بيان تضمّن حزمة من القرارات الإصلاحية التي اعتُبرت بمثابة خارطة طريق للمرحلة المقبلة، وجاء في مقدمتها بدء تطبيق القوانين والأنظمة الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على جميع المؤسسات الحكومية والجهات التابعة لها اعتباراً من الأول من أيلول المقبل، مع وقف العمل بأي قوانين أو تعليمات مخالفة، كما أقر المجلس دمج جامعة حلب في المناطق المحررة مع جامعة حلب الأم، ترسيخاً لوحدة المؤسسات التعليمية بما يكفل المساواة بين طلابها.
وتواصلت القرارات لتشمل إطلاق مفاضلة مركزية رقمية موحّدة للقبول في برامج الدكتوراه على مستوى الجامعات كافة، مع اعتماد معايير الكفاءة والعدالة والنجاح الأكاديمي، إضافةً إلى إلغاء شرط النشر الخارجي للتسجيل في هذه البرامج لمرة واحدة خلال العام الحالي فقط، كما تمت الموافقة على اعتماد قواعد التحويل المماثل وتغيير القيد لطلاب جامعات إدلب وحلب في المناطق المحررة وحلب الشهباء ابتداءً من العام الدراسي 2025-2026.
إصلاحات جذرية
ومن بين ما ورد أيضاً اعتماد صدور التقويم الجامعي للجامعات الخاصة عن طريق مجلس التعليم العالي ليصبح تقويماً مركزياً موحداً، وإلغاء عدد من المفاضلات الخاصة التي كانت تشكّل مظهراً من مظاهر الفساد والتمييز، مثل المفاضلات الخاصة بأبناء الشهداء، أو أبناء حاملي وسام الجمهورية، أو الطلاب المغتربين.
وفي السياق ذاته، منح المجلس الجامعات الخاصة التي لم تحقق بعد معايير الاعتماد الأكاديمي مهلة إضافية مدتها ستة أشهر فقط، على أن تلتزم باستكمال الشروط خلالها.
وشملت القرارات كذلك إحداث كليات وبرامج أكاديمية جديدة في الجامعات العامة والخاصة، من بينها كلية الشريعة في جامعة اللاذقية، وأقسام في علوم الأحياء والأشعة الطبية، إضافة إلى برامج ماجستير تخصصية في بعض الجامعات الخاصة وفقاً لحاجة سوق العمل.
كما ألغى المجلس الرسوم المترتبة على النظام الاستدراكي في الجامعات الخاصة اعتباراً من العام الدراسي المقبل، وأقر إلغاء نظام القبول بالمفاضلة الخاص بـ”السوري غير المقيم”، بحيث يتم قبول هؤلاء الطلاب في المفاضلة العامة من دون حسم أو رسوم إضافية.
عادت لنا الثقة
داخل الحرم الجامعي في كلية العلوم السياسية في دمشق، ترددت أصداء القرارات سريعاً بين الطلاب، الطالبة سارة ناصر عبّرت عن ارتياحها خلال حديثها لصحيفة الثورة بقولها: “شعرت فعلاً أن الوزارة أقرب إلينا من أي وقت مضى، فالمفاضلة المركزية الرقمية ستعيد الاعتبار للجهد الشخصي بعيداً عن المحسوبيات”.
فيما رأى الطالب حسن العلي، أن إلغاء الرسوم في النظام الاستدراكي للجامعات الخاصة قراراً يخفف عبئاً كبيراً عن الطلاب وأسرهم.
أما الطالبة ريم ديوب فقد وصفت إلغاء المفاضلات الخاصة بأنه خطوة إصلاحية طال انتظارها تعيد العدالة إلى التعليم العالي.
وفي كلية العلوم، تتباين الآراء حول طبيعة التنفيذ وسرعته، وفي لقائنا مجموعة من الطلاب من بينهم الطالب سامر أيوب الذي سارع بالقول: “أشعر بالحماس تجاه هذه القرارات، وخاصة المفاضلة المركزية الرقمية، وإلغاء الرسوم الإضافية، فهي خطوات كانت مطلوبة منذ زمن”، متسائلاً: “هل سيتم تطبيقها بسرعة وكفاءة؟”من جانبها ليان جابر، رأت أن هذه القرارات رائعة وتعكس اهتمام الوزارة بالطلاب، لكنها تحتاج إلى وقت وجهد لتنفيذها على أرض الواقع، “لا أعتقد أن التأثير سيكون محسوساً بشكل كامل هذا العام”.
أما الطالب حسام عوض، اعتبر أن القرارات تمثل بداية واعدة للإصلاح، وخاصة إلغاء المفاضلات الخاصة وإحداث كليات جديدة، لكن رغم ذلك، يعتقد أن بعض الإجراءات قد تستغرق سنوات لتترجم فعلياً على حياة الطلاب اليومية.
وزارة قريبة من الطلاب.. وقطاع يتجدد
الأساتذة بدورهم رأوا أن هذه القرارات تحمل دلالات إيجابية وتعكس جدية الوزارة في وضع الطالب في قلب العملية التعليمية، إلا أنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى ضرورة وجود متابعة دقيقة للتطبيق العملي، وشدد بعضهم على أن إحداث اختصاصات جديدة كالطب والأشعة في الجامعات الناشئة يحتاج إلى موارد وتجهيزات تتناسب مع متطلبات التدريب الأكاديمي، فيما اعتبر آخرون أن التحدي الأكبر يكمن في إنجاح التحول نحو المفاضلة الرقمية الموحدة التي تتطلب بنية تحتية قوية وكوادر بشرية مدربة.وبين التفاؤل الطلابي والحذر الأكاديمي، يرى مراقبون أن وزارة التعليم العالي تبعث برسالة واضحة مفادها أنها تسعى لإصلاحات حقيقية، وأنها تعمل بخطوات متوازنة لتطوير القطاع الجامعي وتحقيق العدالة والشفافية، ورغم التحديات التي قد ترافق التنفيذ، فإن القرارات الأخيرة وضعت لبنة جديدة في مسار تحديث التعليم العالي، بما يواكب طموحات الطلاب ويعزز دور الجامعات في بناء مستقبل سوريا.