الثورة – لينا إسماعيل:
تعتبر دمشق رابع المدن المقدسة بالنسبة للعالم الإسلامي، وقد حظي جبل قاسيون الشامخ فيها بالعديد من القصص التاريخية المرتبطة بالعمق الديني، منها مغارة الدم التي تقع على سفح الجبل، وتوجد فيها بقعة من الصخر يختلف لون حجارتها الوردي عن باقي الحجارة، حيث يقال: إنها آثار دم هابيل.
ذلك أن الروايات التاريخية ربطت منذ عصور
سابقة للإسلام بين مغارة الدم، وقصة أول جريمة وقعت في التاريخ، وهي مقتل هابيل على يد أخيه الأكبر قابيل، وهما ولدا آدم عليه السلام أبو البشرية.
وقيل إن سبب تسمية المغارة، بمغارة الدم، هو أن الله سبحانه وتعالى أبقى أثر الدم في الصخر ليكون عبرة للناس.
ويطلق على المكان أيضاً اسم مقام الأربعين أو مغارة الأربعين, وقيل أن سبب التسمية يعود إلى أن النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام أقام هو وأمه فيها أربعين عاماً، وأن الحواريين الذين أتوها مع عيسى عليه السلام كانوا أربعين, وقد أقيم ضمن المسجد المحدث فيها أربعون محراباً.
والملاحظ لزائر تلك المغارة وجود ما وصفه الناس عبر الزمن، بفم الجبل، الذي يقال: إنه فُتح من هول الحادثة الأليمة, وقد وضحت فيه تفاصيل الفم من حيث وجود اللسان والأضراس.
ويوجد أيضاً قطعة صخر عليها آثار دم، كما ذكرنا في البداية يقال إنها جزء من الحجر الذي استعمله القاتل في جريمته, ويوجد محرابان أحدهما لإبراهيم، والثاني للخضر عليهما السلام، وتهطل من سقف المغارة قطرات من الماء، يقال إنها دموع الجبل على مقتل هابيل, كما يوجد آثار كف يقال أنها لجبريل عليه السلام، وقد بقيت في الجبل بعد منعه من السقوط.
كذلك يلاحظ في السقف تشكيل لفظ الجلالة (الله) وفي صدر المغارة شق صخري تفوح منه روائح المسك والعنبر, وهو الشق الذي أحدثه الله تعالى لتيسير خروج الأنبياء منه كما تقول الروايات.
كانت المغارة معبداً وثنياً ثم أصبحت كنيسة، إلى أن دخل الإسلام دمشق فأصبح للمغارة مكانة دينية مميزة، ارتبطت بما ورد في القرآن الكريم عن قصة ابني آدم عليه السلام.
وقد ذكر بعض الرحالة الذين زاروا دمشق في القرون الماضية مشاهدتهم لمغارة الدم, منهم الرحالة الشهير ابن بطوطة المغربي خلال زيارته عام 1324 ميلادي في مؤلفه (تحفة النظار في غرائب الأمصار) يقول: (مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل ابن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً، وهو الموضع الذي قتله أخوه به، واجتره إلى المغارة وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج).
كما ذكرها ابن جبير الأندلسي عام 1182 ميلادي في مؤلفه (رحلة ابن جبير) بقوله (وبجبل قاسيون أيضاً لجهة الغرب، على مقدار ميل أو أزيَد من المولد المبارك، مغارة تعرف بمغارة الدم، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم “صلى الله عليه وسلم”، يتصل من نحو نصف الجبل إلى المغارة، وقد أبقى الله منه في الجبال آثاراً حمر في الحجارة تحك، وهي بالطريق في الجبل، وتنقطع عند المغارة، وليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها، فكان يقال إنها لون حجارة الجبل، وإنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل أخيه حيث قتله حتى انتهى إلى المغارة، وهي من آيات الله تعالى، وعليها مسجد قد أتقن بناؤه، وتصعد عليه على أدراج).
ويذكر أن المؤرخين أوردوا الكثير من القصص حول استجابة الدعاء في المغارة، وأن المغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب عليهم السلام، وأن العديد من العلماء دفنوا في محيطها.