الثورة – دمشق – مازن جلال خيربك:
اعتبر مصرف سورية المركزي أن مستويات الدين العام تشهد ارتفاعاً بعد الانخفاض قصير الأجل في الفترة الواقعة بين عامي 2021 -2022 مدفوعاً (أي الارتفاع) بشكل رئيسي بالتضخم غير المتوقع، مبيناً أن ما يعكس الاتجاه التصاعدي المتوقع هو تباطؤ النمو وارتفاع أعباء خدمة الدين والعجز المالي، لافتاً إلى أن الصدمات الماضية مثل الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19 أظهرت أن من الممكن ارتفاع الديون بسرعة وعلى نطاق واسع، معتبراً كذلك أنه من المرجح أن تؤدي التحديات الاقتصادية المتعلقة بالتكيف مع المناخ والتحول الأخضر والتغيرات الديموغرافية الى ضغوط إنفاق واسعة النطاق أيضاً، مع احتمال بقاء الديون مرتفعة في معظم البلدان، الأمر الذي يجعل من المهم فهم نقاط الضعف والمخاطر المصاحبة المرتبطة بارتفاع الديون.
ديناميكيات غير مسبوقة
وبحسب المركزي في دراسة له حول “ارتفاع الديون بين الدوافع والعواقب والآثار” فإن مسار الديون في سورية في ظل الأوضاع الراهنة، يدفع السياسة المالية إلى اتباع ديناميكيات حديثة غير مسبوقة تساعد في زيادة الإيراد المالي، دون أي تعطيل للنشاط الاقتصادي وتقليص تكلفة الديون المترتبة عليها، معتبراً أن تحقيق ذلك يحتّم تضافر كافة الجهود الاقتصادية ودعم القطاعات الحيوية وتفعيل نقاط الإنتاج بدءاً بالمشروعات الصغيرة وصولاً إلى مشروعات على مستوى الاقتصاد الكلي، الأمر الذي من شأنه التخفيف من احتمالية حدوث أي أزمة مالية محلية، إضافة إلى ضرورة وجود إجراءات وسياسات احترازية لمنع انتقال أي أزمة مالية عالمية محتملة إلى الاقتصاد المحلي السوري عن طريق القنوات الممكنة، وكذلك توجيه جزء من الإنفاق (إضافة إلى ما يتم إنفاقه على قطاعات الصحة والتعليم ودعم الفئات الهشة) نحو الاستثمار بشتى أشكاله بما فيه الاستثمار الزراعي، والذي يعد أبرز القطاعات المساهمة في تحقق الاكتفاء الذاتي، ناهيك عن تدعيم عملية تدفق القطع الأجنبي من خلال قناة التصدير وخفض تكلفة الاستيراد، ومن ثم بالمجمل تقليص تراكم الديون الداخلية والخارجية وما يتبعها من آثار اقتصادية ناجمة عنها.
دوافع ارتفاعات الديون
وبحسب المركزي فإن ورقة أعدت لمصلحة صندوق النقد الدولي، هدفت إلى وضع مشهد الديون الحالي في سياق تاريخي والتحقيق في دوافع ارتفاعات الديون، والدرجة التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث أزمة، فضلا عن دراسة مسارات الديون في مرحلة ما بعد الارتفاع، والظروف التي يتبع فيها الدين مساراً غير تنازلي، وبالتالي تقوم الورقة بالإجابة من خلال تحليلها عن تساؤلين اثنين، أولهما: كيف تؤثر زيادة الديون على احتمالية حدوث أزمة مالية.. وثانيهما: إلى أي درجة تؤثر زيادة الديون على احتمالية حدوث هذه الأزمة مع بقاء الديون مرتفعة، ما يجعل الاقتصاد في وضع ضعيف لفترة طويلة الأمد.
أزمة مالية محتملة
التحليل (وفقاً للمركزي في حديثه عن ورقت صندوق النقد الدولي) غطّى 183 بلدا خلال الفترة الواقعة بين عامي 1970 و2021، وقد ظهر من خلالها أن سياسة المالية العامة مسؤولة بشكل كبير عن الزيادة المضطردة والكبيرة في الديون، وتفسر ما يقارب 30 إلى 55% من التباين في توقعات الديون ضمن مكونات السياسة المالية، وبالتالي وجدت الورقة أن السياسة المالية وتعديلات تدفق المخزونات تلعب أدواراً مهمة في ديناميكيات الدَّين، حيث تفسر تأثيرات التقييم الناشئة عن انخفاض قيمة العملة أكثر من نصف تعديلات تدفق المخزون في البلاد منخفضة الدخل، وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع الديون سيؤدي إلى أزمة مالية باحتمال تتراوح نسبته بين 11 و20%، كما أن التوسعات المالية المدفوعة بالإنفاق خلال زيادات الديون تميل للتسبب باحتمالية كبيرة بعدم تراجع مسار الديون، وعن طريق توثيق محركات الدَّين فان السماح بمرونة سعر الصرف مدعوما بسياسة مالية ونقدية حكيمة، من شانه المساعدة في تجنب تراكم أي اختلالات خارجية كبيرة.