الثورة – رولا عيسى:
مرسوما زيادة الرواتب للعاملين والعسكريين والمتقاعدين صدرا في وقت يمر فيه الاقتصاد السوري بأصعب مراحله، مع انهيار حاد في القدرة الشرائية وارتفاع متواصل في الأسعار وفقاً لما قاله الباحث والخبير الاقتصادي مجد أمين.
وبين أن الهدف الأساسي من الزيادة تخفيف الضغط المعيشي الحاد عن ملايين العاملين والمتقاعدين، ويخفف من تراجع المستوى المعيشي الذي يهدد الاستقرار، معتبراً أن صدور الزيادة بهذا التوقيت، بمثابة حقنة إنعاش فورية ضرورية للحفاظ على الحد الأدنى من المعيشة.
الأسواق والأسعار
وفي رده على سؤالنا.. كيف يمكن أن ينعكس على الأسواق والأسعار والوضع المعيشي؟
بين أنه على صعيد الأسواق فإن زيادة الدخل لدى الموظفين والمتقاعدين تعني سيولة أكبر في السوق، ما قد يؤدي إلى انتعاش نسبي في حركة البيع والشراء خصوصا للسلع الأساسية.
وبالنسبة للأسعار، فإنه وبسبب زيادة الطلب المتوقع، يقول الخبير أمين: من المرجح أن ترتفع الأسعار بشكل سريع، خصوصاً إذا لم يتم ضبط الأسواق والرقابة بشكل فعال، ما قد يضعف أثر الزيادة على الواقع المعيشي.
وفيما يتعلق بالوضع المعيشي يرى أنه في البداية، سيشعر المستفيدون بتحسن، لكن من دون سياسات داعمة مثل دعم السلع الأساسية وضبط الأسعار، فإن التحسن قد يكون مؤقتاً فقط.
توقعات الإنتاج
وفيما يتعلق بتوقعات الزيادة في الإنتاج.. يشير الخبير أمين إلى أنه لا يمكن توقع زيادة ملموسة في الإنتاج على المدى القريب بناءً فقط على زيادة الرواتب، فالاقتصاد السوري يعاني من مشكلات هيكلية كبيرة تتعلق بضعف البنية التحتية، نقص الطاقة، العقوبات، وهروب رأس المال والعمالة الماهرة، إلا إذا صاحبت الزيادة إصلاحات اقتصادية حقيقية وتحفيز للقطاعات الإنتاجية، فإن الزيادة لن تؤدي إلى نمو اقتصادي حقيقي.
لكن ثمة مشكلة يتوقعها أيضاً المراقبون هي الزيادة في التضخم ولماذا؟
هنا يؤكد أمين أنه من المتوقع أن يحدث تضخم كبير بسبب ضخ كميات نقدية كبيرة في السوق من دون زيادة مقابلة في الإنتاج، وزيادة الطلب على السلع والخدمات مع محدودية العرض، واحتمالية ارتفاع سعر صرف الليرة نتيجة لزيادة السيولة من دون دعم اقتصادي.
كل هذا يدفع الأسعار للارتفاع، ما قد يقلل من القيمة الحقيقية للرواتب الجديدة بسرعة، على حد قول الخبير أمين.
الحفاظ على قيمة الزيادة
إذاً، ثمة تساؤل مطروح.. كيف نحافظ على قيمة الزيادة لتستفيد منها شريحة ذوي الدخل المحدود؟
ينوه الخبير أمين بأهمية ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار ومحاربة الاحتكار لضمان استقرار أسعار السلع الأساسية، وتشجيع الإنتاج المحلي من خلال دعم المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة لتوفير سلع بأسعار مناسبة.
ويتطرق الخبير الاقتصادي إلى أهمية إحداث إصلاحات مالية على تحسين الضرائب لتوفير تمويل مستدام للرواتب من دون اللجوء لطباعة النقود، كذلك على صعيد التعليم والتدريب، وتطوير مهارات العاملين لتحسين إنتاجيتهم وبالتالي رفع دخلهم الحقيقي.
وفي رده على سؤالنا عن أهمية لحظ المتقاعدين للمرة الأولى بنسبة زيادة مساوية لنسبة القائمين على عملهم؟
يقول الخبير أمين: هذه زيادة غير مسبوقة من حيث التساوي بين نسبة زيادة المعاشات ونسبة زيادة الرواتب الحالية، وهو اعتراف واضح من الحكومة بأهمية المحافظة على قدرة المتقاعدين الشرائية، الذين يعانون من تآكل دخلهم بشكل كبير عبر السنوات الماضية.
عادة ما كانت زيادات التقاعد أقل من زيادات العاملين، لكن هذه المرة الزيادة 200 بالمئة موحدة للجميع، ما يعزز العدالة الاجتماعية ويساعد في تحسين حياة شريحة كبيرة من المتقاعدين الذين يعتمدون على دخلهم الأساسي فقط.
ويعود الخبير أمين ليؤكد أن قرار الحكومة السورية رفع الرواتب والمعاشات بنسبة 200 بالمئة مع تثبيت الحد الأدنى للأجور عند 750,000 ليرة سورية، هو خطوة جريئة وغير مسبوقة في تاريخ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
هذه الزيادة تعكس إدراكاً واضحاً من الجهات المسؤولة لحجم التدهور المعيشي الذي أصاب شريحة واسعة من السكان، ولاسيما الموظفين الحكوميين والمتقاعدين الذين عانوا من تآكل شديد في قدرتهم الشرائية، بحسب الخبير الاقتصادي.
ومع ذلك- والكلام لأمين- فإن هذه الخطوة، رغم ضرورتها القصوى على الصعيد الاجتماعي والسياسي، تضع الاقتصاد السوري أمام تحديات كبيرة تستوجب حُسن إدارة وتنفيذ سياسة مالية ونقدية مدروسة.
وعن التحديات التي قد تواجه الزيادة يقول: أولاً: إن الزيادة غير مصحوبة بإصلاحات هيكلية حقيقية في الاقتصاد السوري، كالتحفيز على الإنتاج المحلي، تحسين بيئة الأعمال، وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة، ما يهدد بتحويل هذه الزيادة إلى مجرد أداة تضخم تضيع قيمتها الحقيقية في فترة قصيرة.
ثانياً: ضخ سيولة نقدية ضخمة في سوق يعاني من ضعف الإنتاج والعرض، سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار، ما يجعل الفئات ذات الدخل المحدود في مواجهة معادلة صعبة بين زيادة الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة.
وثالثاً: بحسب الخبير أمين، الحفاظ على قيمة هذه الزيادة على المدى المتوسط يتطلب تدخلات منسقة بين السياسة المالية والرقابة السوقية، ودعماً مباشراً للفئات الأشد فقراً من خلال برامج الدعم العيني والتوزيع الذكي، بدلاً من الاعتماد على الزيادة النقدية فقط.
أما رابعاً، الخطوة الإيجابية في معادلة الزيادة المتماثلة بين العاملين والمتقاعدين تعزز العدالة الاجتماعية، وتخفف من معاناة شريحة عريضة من المواطنين، وهي مؤشر على توجه حكومي لاستعادة بعض ثقة المواطنين في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية.
في الختام، يمكن اعتبار المرسومين بمنزلة “التنفس الصناعي” للاقتصاد السوري، شرط أن يتبعهما برنامج إصلاح شامل، وإلا فإن المخاطر التضخمية والمالية ستقلص من أثر هذه الزيادة، وربما تفضي إلى أزمات أعمق في المستقبل القريب.