المخدرات.. آلة هدم ناعمة تنهش نسيج المجتمعات 

الثورة – جهاد اصطيف:

تزايدت في مدينة حلب خلال الآونة الأخيرة مؤشرات خطيرة تدق ناقوس الخطر، مع تنامي ظاهرة تعاطي الشباب للمخدرات، ولاسيما في الأحياء الشعبية والمناطق المكتظة، وتشير المعلومات إلى أن شبكات وأشخاصاً مجهولي الهوية باتوا يستخدمون أساليب خبيثة لاستدراج الشبان إلى عالم الإدمان، تبدأ بجذبهم وتسهيل الوصول إلى المواد المخدرة بأسعار زهيدة، ثم تنتهي بابتزازهم مادياً ونفسياً بعد الإيقاع بهم، واستدراجهم إما عن طريق أصدقاء السوء، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت وسيلة سهلة لتوسيع نطاق الاستهداف دون رقابة.


من الواقع

ثلة من الشبان “أحمد، جاسم، صالح، سعيد” البالغ أعمارهم بين 20 و 24 عاماً يقولون إنهم وقعوا في فخ الإدمان بعد أن عرض عليهم أحد الزملاء “حبوباً منشطة” مجاناً في البداية، ثم تحول الأمر إلى عادة يومية، ليكتشفوا لاحقاً أن الأمر برمته عبارة عن خديعة خبيثة لإيقاعهم تحت تأثير المخدرات بهدف ابتزازهم وتهديدهم بالفضيحة إن لم يستجيبوا لمطالبه فيما بعد.
وحسب قول أحد الشبان، أشار إلى أن المروجين لا يعتمدون القوة أو التهديد في البداية، بل يتبعون أسلوب “التجربة المجانية ” والتشجيع تحت مسميات خداعة مثل ” الترفيه “، ” التنشيط “، أو حتى ” الهروب من الواقع “، مع توفير المواد المخدرة بأسعار رمزية في البداية، ثم يتم رفع السعر تدريجياً بعد وقوع الضحية في فخ الإدمان، ليبدأ بعدها مسلسل الابتزاز المادي أو المعنوي.

عائلات صامتة.. وأخرى منهارة

المثير للقلق أن أساليب الترويج لم تعد تقليدية، إذ تؤكد تقارير ودراسات أن الكثير من الحالات تبدأ من خلال الأصدقاء المقربين، أو عبر حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي، تقدم عروضاً مغرية أو تروج لمواد تحت غطاء المنشطات والمكملات.
وفيما تعترف بعض العائلات بهذه المأساة وتسعى إلى العلاج، تظل عائلات أخرى تجهل ما يحدث لأبنائها بسبب الخوف من “العار المجتمعي” أو الانشغال بأعباء الحياة اليومية، وهو ما يزيد من تفشي الظاهرة بصمت.
ولعل الكارثة الأكبر أن بعض الأهالي لا يعلمون أن أبناءهم أصبحوا من متعاطي المواد المخدرة، إما بسبب الغياب أو الانشغال أو الخوف من مواجهة الحقيقة، بينما تعيش أسر أخرى معاناة يومية في محاولات إنقاذ أبنائها من براثن الإدمان .
والد أحد هؤلاء الشبان الذين نتحدث عنهم، يقول: لم أكن أتصور أن ابني قد يقع ضحية لأصدقائه، بدأ الأمر كنوع من المزاح والانفتاح على الحياة، وانتهى به الأمر يتوسلني ثمن الجرعة، استطعنا إخراجه بصعوبة، لكن كثيراً غيره مازالوا غارقين، فكم من مرة سمعنا أن وفاة حدثت بهدوء.
ويضيف: وبدون الإعلان عنها كما يجب وحتى دون حزن لأن أهل المدمن يعانون بما يكفي من ممارسات أبنائهم حتى أن بعضهم كان يتمنى الموت لهم، وإليكم هنا أن تتصوروا كم تكون المخدرات قاتلة لمتعاطيها، وكم تأثيرها مدمر على المجتمع ككل، فمع إدمان المخدرات، ممكن أن تنتشر الجريمة والتي تبدأ عادة بالسرقة لتأمين ثمن المخدرات، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتطور أحياناً لتصل إلى جرائم القتل، ومن الأمثلة القاسية، على حد قوله، قيام المدمنين بقتل أحد ذويهم.

من سيىء إلى أفضل

كل ما حدث خلال العقود الماضية لا يقارن بما أصبحت عليه الأحوال في سوريا عامة، وفي حلب خاصة قبل التحرير، فمن خلال المعلومات والمصادر الرسمية التي تنشرها مختلف الوسائل الإعلامية الرسمية، فقد انتشرت معامل تحتوي على كل ما يلزم لتصنيع أصناف عديدة من المخدرات يديرها خبراء في هذه الصناعة وارتبطت هذه المعامل مع مخازن لتوضيب المخدرات وإخفائها تمهيداً لتهريبها إلى دول عدة، وكل ذلك كان يحدث بحماية وحدات عسكرية وأمنية مرتبطة بأعلى القيادات السورية أيام النظام البائد، والدليل إعلان وزارة الداخلية، بالأمس، ضبط 100 ألف حبة مخدرة شمال غربي سوريا، وقالت إن قواتها نفذت عملية نوعية بعد تبادل معلومات بين وزارة الداخلية السورية ووزارة الداخلية السعودية، تمكنت خلالها من ضبط أكثر من 100 ألف حبة مخدرة، كانت مخبأة داخل عدة صناعية في محافظتي إدلب وحلب، وذلك في محاولة لتهريبها عبر الحدود، وأشارت إلى أن المعتقلين أحيلوا إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم، وهذا إن دل فهو يدل على أن الحكومة الجديدة عازمة على أن تقضي على هذه الأوكار المميتة كلياً في خطوة تهدف إلى إنهاء صفحة قاتمة ارتبطت باسم البلاد لسنوات، وطي صفحة النظام المخلوع، في مسعى لاستعادة الحكومة الجديدة ثقة محيطها الإقليمي والدولي.

أسئلة تطرح

التحقيق يطرح تساؤلات عدة، ما هي دواعي تعاطي المخدرات بأنواعها، وكيف تتكون قابلية الشخص للإدمان، وما هو دور الإعلام الحديث المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي في نشر وانتشار المخدرات وفي التوعية بأضرارها والوقاية منها؟.

تقارير عالمية عدة تشير إلى أن الحملات الإعلامية تعد التدخل المفضل لدى صانعي السياسات إلا أن الأدلة العلمية أظهرت أن فعالية الحملات العامة لتوعية الجمهور معدومة أو محدودة جداً في منع تعاطي المخدرات أو وقف الانحدار نحو تعاطيها.
وتشير أيضاً إلى أن الانكماش الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى رفع مستويات إنتاج المخدرات والاتجار بها وتعاطيها، وأن تفاقم الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفئات الضعيفة قد يدفعها إلى مزاولة أنشطة غير مشروعة للتعويض عن خسائرها، كما هو الحال تماماً في سوريا قبل التحرير ..

عوامل الخطر

بالطبع، الحديث عن أعظم مهدد للأسر والمجتمعات يجب ألا ينتهي، فقد استقر العلماء في العقود الأخيرة، من البحث العلمي المتواصل في مجال علم الإدمان وبواعث التعاطي، إلى أن هناك أربعة عوامل خارجية عن الفرد تشكل مصدر خطورة فيما يتعلق بتشكيل قابلية التعاطي وتنمية سلوكيات تعاطي المخدرات والمسكرات، وهذه المجالات هي محيط الأسرة، وبيئة الجوار، وبيئة المدرسة، وطبيعة التفاعل بين الأقران أنفسهم، ويضاف لها العامل الخامس وهو العامل الشخصي الداخلي المتعلق بشخصية الإنسان وقيمه وانفعالاته وتفاعلاته ورصيد خبرته وميوله.
هذه العوامل الخمسة هي مصدر الخطورة على الفرد وهي من تسهل له سبيل الانحراف، وفي الوقت نفسه هي أيضاً مصدر حمايته من الوقوع في الانحراف والسلوكيات الخطيرة، وبات هذا النموذج، عالمياً، هو الثابت والصادق والذي يستخدم لوصف العوامل المتعددة والمتداخلة التي تتفاعل مع بعضها البعض وبالتالي تشكل سلوك تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.

أثر الإعلام

وفي ظل الثورة التقنية التي تعيشها المجتمعات البشرية اليوم، يظهر أثر الإعلام الجديد المتمثل في شبكة الإنترنت وما تمخض عنها من شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم عاملاً مؤثراً في تكوين شخصية الإنسان وقيمه وسلوكياته.
وعلى جانب ذي صلة، فإن عصابات تهريب وترويج المخدرات لا تألو جهداً في استغلال كل هذه المتغيرات لصالح أجندتها، مستفيدة من الأثر الكبير للإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي إما بتزيين وتسهيل تداول ونشر المخدرات والمؤثرات العقلية وزيادة الطلب عليها، أو باستخدام هذه الوسائل الحديثة في عمليات ترويج ونشر المخدرات وخاصة بين الناشئة والمراهقين باعتبارهم الفئة الأكثر استخداماً لهذه الوسائل.
ولعل أبرز طرق ووسائل مروجي المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما يقول الاختصاصي النفسي حيدر السلامة من خلال نشر مسميات للمخدرات ترتبط بمفاهيم تشير للقوة والنشاط، ومسميات أخرى ترتبط بالإغراءات، وإقناع الشباب بتأثير أنواع المخدرات في القدرة على الحفظ في أوقات المذاكرة في أيام الامتحانات، أو استخدام مسميات للمواقع تستوحي من اللذة في الطعم والمنظر ما يجذب الشباب والإيقاع بهم، وخداع المراهقين والشباب بأن بعض أنواع الحبوب هي الحل الأمثل للسهر، أو عن طريق إنشاء حسابات لأسماء وصور نسائية بهدف إيقاع الشباب في براثن المخدرات، واستخدام المروجين أسماء جذابة لاستهداف الشباب في مواقع التواصل وإدخالهم في المستنقع، ويمكنهم أيضاً أن يستخدموا ألغازاً وشفرات وصوراً عبر حسابات مشبوهة لبيع سمومهم والإيقاع بضحاياهم.

شبكات المخدرات الاجتماعية

يضيف الاختصاصي النفسي أن هناك ثمة مجموعة من العوامل جعلت من شبكات التواصل الاجتماعي خياراً مفضلاً وتحولاً مقصوداً لدى عصابات ترويج المخدرات، منها، عامل السرية، فسرية التعامل عبر شبكات التواصل الاجتماعي تساعد مروجي المخدرات على التخفي والحصول على غطاء آمن يحاولون من خلاله مزاولة الترويج بعيداً عن الرقابة، وكذلك السهولة، فشبكات التواصل الاجتماعي تمكن المروجين من الوصول إلى ضحاياهم بشكل سهل وسريع في العالم الافتراضي، وهذا الأمر أسهل بكثير من العالم الحقيقي الذي يحتاج إلى كثير من الخطوات والعلاقات، وتكتنفه العديد من التحفظات والاحترازات، وأيضاً الكلفة، فانتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي يمكن المروجين من الاستفادة منها بكلفة يسيرة جداً وشبه مجانية، فالأمر لا يتطلب سوى توفر شبكة الإنترنت وجهاز حاسوب أو هاتف ذكي، دون أي مبالغ مالية طائلة أو إمكانات معقدة.. ومن العوامل أيضا يقول السلامة : قلة الوعي لدى الشباب والفتيات لأنها تسهم هي الأخرى في وقوعهم ضحايا لتعاطي المخدرات وفريسة لمروجيها، علاوة على الاستخدام غير الرشيد لشبكات التواصل الاجتماعي وعدم إدراك الشباب أو الفتيات لما تنطوي عليه من كواليس ومخاطر .

حلول وتوصيات

فما هي الحلول تجاه قضايا ترويج المخدرات؟، يجيب على ذلك السلامة أن هناك عدداً من التوصيات والحلول، التي يمكن تقسيمها إلى أربعة جوانب، أولها الجانب التشريعي والعقابي، إذ أكدت الدراسات ضرورة سن القوانين وإعداد التشريعات والضوابط المناسبة لمكافحة نشر المخدرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الجانب، يشير السلامة إلى ما يتم تطبيقه من عقوبات رادعة وفق القوانين والنظم المتبعة، يليها الجانب الأمني، ويشتمل على تعزيز الدور الكبير الذي تبذله الحكومة والجهات الأمنية المتخصصة، بالخصوص بعد التحرير في متابعة مروجي ومصنعي المخدرات، وتالياً الجانب الأسري والتربوي، ويشتمل على توعية الأسر بتفعيل دورها الرقابي وتحذير أبنائها من خطورة التعامل مع المعرفات المشبوهة أو الانسياق خلف أساليبها، وقيام المؤسسات التربوية والتعليمية بدور كبير في تغيير مفاهيم الشباب وتعديل سلوكياتهم واتجاهاتهم، وأخيراً الجانب التوعوي والمجتمعي، ويشتمل على رفع الوعي في المجتمع ويتم ذلك بنشر تأثير المخدرات على النواحي العقلية والنفسية والجسدية والأسرية، وتكثيف المحتويات الرقمية التوعوية المدعومة من المؤسسات المجتمعية الدينية والفكرية والمعرفية الموثوقة، وتحقيق التكامل والتعاون بين الجهات ” الحكومية والأمنية والأهلية والخيرية ” في مجال مكافحة المخدرات، ومشاركة وسائل الإعلام المختلفة في التوعية عن المخدرات ومصادر ترويجها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ذاتها.

صرخة أخيرة

تبقى ظاهرة استدراج الشباب للمخدرات جرحاً نازفاً في جسد المجتمع الحلبي، ما لم يتم التعامل معها كأولوية قصوى من قبل الجهات المعنية، عبر معالجة الأسباب قبل النتائج، وبناء حاضنة وقائية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند حدود القانون، لأن المخدرات اليوم ليست مجرد مشكلة بل “حرب خفية” تستهدف العقول وتضرب المجتمعات من الداخل، وأمام هذه التحديات، لا بد أن تتحرك الجهات التربوية والدينية والأمنية والاجتماعية في آن واحد، فكل دقيقة تأخير تعني شاباً جديداً يسقط.. وصوتاً آخر يطفأ في دروب المستقبل.

آخر الأخبار
حصرياً لـ"الثورة.. من الكبتاغون إلى شراب السعال.. أنس يكشف رحلة السقوط والتعافي مجالس الصلح بريف  حماة.. تسوية النزاعات الأهلية والمجتمعية انقطاعات متكررة في خدمات الاتصالات وADSL في جرمانا إصلاحات ضريبية شاملة  و"المالية" تبدأ العد التنازلي للتنفيذ 165 مستثمراً و32 ينتظرون الترخيص الإداري في "حسياء" اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تعقد اجتماعاً مع فعاليات حمص تعزيز التعاون مع الجهات المجتمعية بحلب في مختلف القطاعات المخدرات.. آلة هدم ناعمة تنهش نسيج المجتمعات  وضع 3 سيارات إسعاف بالخدمة في مستشفى مصياف توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة رئيسية في العمل الحقوقي صناعيو الغذاء بين تحديات السوق وأمنيات تسهيلات العودة إلى سوريا  لقاء سوري- بولندي في "صناعة دمشق" لتعزيز العلاقات الاقتصادية   The New Arab  كيف أثبتت قطر مرة أخرى أن لا غنى عنها للسلام الإقليمي..؟  كوماندوس إسرائيلية في قلب إيران.. خرق أمني كبير قلب موازين الحرب  باراك: الشعب السوري هو من أسقط نظام الأسد ولا نسعى للتدخل بشؤون سوريا    المستهلك مستاء والبائع يبرر..  تفاوت في أسعار الخضار في أحياء حلب    .."SAMS"   تنظم مؤتمرها الطبي الدولي الـ23 لأول مرة في سوريا الحرة    مصرفي لـ"الثورة": خصخصة المصارف العامة ضرورة محاطة بالمخاطر      أردوغان: سنواصل دعم استقرار ووحدة سوريا   تأهيل قطاع الكهرباء في داريا بالتعاون بين الجهات المحلية