ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تدخل جولة جنيف الحالية في سباق مع الزمن، حيث إن التطورات لم تكتفِ بتجاوزها في أكثر من موقع، بل عدّلت في مقاربة الكثير مما كان يصلح في حينه للنقاش والجدل، وربما الحوار، بينما المواقف السياسية المتدحرجة تشي في ظاهرها على الأقل
بأنها في سباق محموم لا يقل فيه الحرج عمّا تواجهه جنيف وإدارتها الأممية بسلاتها والقضايا الأخرى المدرجة، وتستدعي هي الأخرى مقاربة تنتقل من إرث الماضي المثقل بمغالطاته نحو تفهم أكثر واقعية للأحداث وتطوراتها.
فالفارق لم يعد في المسائل المطروحة ومدى صلاحيتها، بقدر ما هو محكوم بمعطيات الواقع التي تعيد ترتيب الأولويات السياسية وفق حسابات الميدان من جهة، أو حسب معادلة العلاقات الدولية التي تتشكل بعد الاختراق النسبي في التفاهم الروسي الأميركي في أعقاب لقاء هامبورغ من جهة ثانية وما سينتج عنه لاحقاً، مضافاً إليه تراكمات من المتغيرات في المحيط الإقليمي ليس أقلها ذلك التناحر الدامي بين مشيخات الخليج، باعتبارها المعادل النوعي لمستنسخات التنظيمات الإرهابية ومن يمثلها ومصادر التعويل عليها، حيث إن تفويضات ما قبلها لا تصلح بأي حال لتكون هي ذاتها لما بعدها.
الأكثر من ذلك ما يروج له في الكواليس الملحقة بجنيف، أو تلك التي تتابعها من داخل أروقتها الخاصة في دوائر القرار الدولي، سواء كانت المعنية مباشرة فيها أم تلك المعتادة على الوقوف في الحيز الهامشي وما خلفه، بأن سياق التفاهم الأميركي الروسي ليس شرطاً ملزماً ليكون هو ذاته المعمول به في القاعات السويسرية، بدليل أن التعويل على جنيف يبدو من زوايا متباعدة، وما تراه موسكو فسحة إضافية للأمل والتفاؤل، تجد فيه واشنطن حتى اللحظة مساحة تصلح للعبث السياسي، وربما محطة لعقبات تحول دون مزيد من التدحرج السياسي في مواقف حلفائها وأدواتها في المنطقة وخارجها.
ويضاف إلى هذا وذاك ما تروّج له دوائر المنظمة الدولية من سعي لتفعيل دورها على أمل أن يقودها إلى مسايرة الأحداث والتطورات، ما يعني عملياً وبشكل قسري أنها ستتخلى عن الكثير من آليات عملها التقليدية، وأن تبحث جدياً عن أدوات عمل لا تشبه سابقاتها، ولا تكون نسخة مشوهة عن التفاعل العاطفي وغير المدروس والمبالغ فيه عن نسب التفاهم الروسي الأميركي.. وهو ما يبدو حتى اللحظة صعب المنال، خصوصاً أنه مدفوع بالإحساس بأن البساط ينسحب من تحت أقدام جنيف لمصلحة مهمات ومنابر وربما محطات أخرى، حيث يفقد تأثيره وحتى دوره، مع ما يقتضيه أيضاً من إسدال للستار على مهمات وظيفية شخصية لبعض المناصب الأممية التي اعتاشت على حساب جنيف حتى اللحظة!!
بهذه التقاطعات لا يبدو العمل في جنيف محكوماً بالمشهد الضاغط بجوانبه المختلفة فقط، بل ايضاً بشعور متزايد بأن الوقت ينفد وأن الأدوار تدخل في الردهة الأخيرة أو الزاوية النهائية، وفي بعض جوانبها باتت في الوقت بدل من الضائع، مع الإدراك المسبق بأن ما عجزت عنه على مدى أشهر وسنوات وعدة جولات لن تحققه في جولة محكومة بما سبقها من أحداث أكثر مما تعتمد على ما تحققه من خطوات لاحقة ومثيرة بجوانبها المختلفة، وهذا يصعّب من المهمة الأممية ويعقّدها، ويضعها أمام اختبار قد يكون الأصعب، والبعض يعتبره الأخير لأن الفرصة تهرب من يديها، على الأقل فيما يتعلق بحلقات جنيف وأجزائه المكررة.
جنيف بهذه الاعتبارات.. جولة الوقت بدل من الضائع تتضاعف الحلقات المحكومة فيها، وتتزايد مسارات المضمار الذي سيضطر لخوض السباق فيه، سواء كان مع الوقت أم تعلق بتحديات وآليات عمل لم تعد قادرة على مسايرة التطورات، أم ارتبط بأدوار سياسية تتجاوزه وأحياناً تتجاهله، وفي ظل حسابات مضطربة في الشكل والمضمون، ومتناقضة إلى حد التنافر في سلسلة لا تنتهي، ما يستدعي مقاربة تحاكي مقاربات المشهد الدولي من جهة وتتسق في حدها الأدنى مع التطورات والأحداث من جهة ثانية، ولا تتناقض مع ما فرضته من أولويات تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى، حيث العبث لا يجدي.. والرهان على تقطيع الوقت ذهب إلى غير رجعة..!!.
a.ka667@yahoo.com