الثورة – نيفين أحمد :
في قلب الجبال المشتعلة بريف اللاذقية الشمالي، يخوض رجال الدفاع المدني معركة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى خمسة أيام من العمل المتواصل دون راحة، وسط لهيب نيران تلتهم الأخضر وتزحف على ما تبقى من ظلال الغابات، وعيونهم لا تفارق بقعة دخان، أو جذع شجرة يئن تحت الجمر.
هم ليسوا مجرد رجال إطفاء… هم أبناء هذه الأرض، يقاتلون بأجساد أنهكها التعب، وبأيدٍ احترقت وهم يفتحون خطوط نار بدائية في الوديان الوعرة، بعيداً عن عدسات الكاميرات. كثير منهم أصيب بحروق، أو سقط في منحدرات صخرية، أو نُقل بحالة إغماء من شدة الإرهاق، لكنهم لا يغادرون مواقعهم.
احدهم قال :”لم نعد ساعات العمل نحمل الماء وكأننا نحمل الحياة هذه الغابات تربينا في ظلها ولن نتركها للنار.”
في ظل غياب الطرقات والخطر الكامن من الألغام ومخلفات الحرب، يُضطر هؤلاء الأبطال إلى السير لمسافات طويلة على الأقدام حاملين معداتهم على ظهورهم، يعلّقون قلوبهم على أمل نسمة باردة، أو سحابة عابرة تهدّئ جموح اللهب.
تمتد النيران الآن إلى عشرات المواقع في مناطق كارن كول، قسطل معاف، البركة، الفرنلق، والغابات التي لطالما شكّلت رئة الساحل السوري وقد أتت حتى اللحظة على أكثر من 10 آلاف هكتار من الغطاء الأخضر، فيما تبقى محمية الفرنلق، إحدى أهم غابات سوريا، مهددة في أي لحظة.
لكن رغم كل شيء، لا تتراجع عزيمة أولئك الذين اختاروا أن يكونوا خط الدفاع الأول لا يسألون عن نهاية الحريق، بل يواصلون ما بدأوه بإيمان راسخ بأنهم بمقاومتهم هذه لا يحمون الأشجار فقط، بل يدافعون عن هوية البلاد وذاكرتها وحلم الأجيال القادمة في ظلال الغابات.