الثورة – مريم إبراهيم:
عكس البيان الصادر عن وزارة العدل بشأن المعالجة القانونية لملف الاستيلاء غير المشروع على العقارات الرضا والقبول بشكل عام، ولا سيما المتضررين في هذا الملف، حيث جاء القرار حرصاً على ترسيخ سيادة القانون وصون الحقوق العقارية للمواطنين، وتجاوباً مع ما تم رصده من ممارسات أدّت إلى الاستيلاء غير المشروع على عقارات مواطنين تم تهجيرهم بشكل واسع وممنهج عقب قيام الثورة السورية، وبعد التحرير أشرفت النيابة العامة على أعمال لجان الغصب البيّن، وساهمت في حل الكثير من القضايا عبر القوانين النافذة.

وأشار البيان أنه لما كانت القضايا من الكثرة والتشعّب واحتوائها على التدخّلات قد احتاجت إلى تدخل المرجعية القضائية للبت فيها، وبعد دراسة معمّقة للكثير من جوانب هذه القضايا والاطلاع على شكاوى المواطنين، ورغبة في تسريع الحل القضائي، وبما أن هذا الاستيلاء غير المشروع تم عبر التعدّي أو الغصب أو نقل الملكية بطرق مخالفة للقانون، فإن وزارة العدل أصدرت قراراً بالاستناد إلى مجلس القضاء الأعلى رقم (526) تاريخ 2025/10/20، يتضمّن خطة متكاملة لمعالجة هذه القضايا وفق نهج موحد وسريع ومنصف، وذلك بتخصيص محاكم ودوائر قضائية للنظر حصرياً في هذه القضايا، بهدف توحيد الاجتهاد القضائي وتجنّب التناقض في المعالجة، وتقصير المدد الزمنية للنظر في الدعاوى وتبسيط الإجراءات دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة، كما أن تمكين أصحاب الحقوق من استرداد أملاكهم عبر قرارات قضائية عادلة وملزمة تصدر خلال آجال معقولة وبإجراءات شفافة، يرمي إلى معالجة آثار النزاع على الملكيات العقارية وضمان عودة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين، بما يسهم في تعزيز الاستقرار المجتمعي، والحدّ من أسباب التوتر والنزاع العقاري، كما يرمي إلى تعزيز ثقة المواطنين بالقضاء.
ودعت الوزارة جميع المواطنين ممّن تضرروا من مثل هذه الأفعال إلى مراجعة الجهات القضائية المختصة، وممارسة حقوقهم القانونية ضمن الآليات المبسطة المعتمدة.

شرعية القرار
المحامي الدكتور إسماعيل محمود بيطار أوضح في لقاء لصحيفة الثورة أنه بين شرعية قرار وزارة العدل في منح محكمة البداية المدنية الحق في البت في منازعات عقارية ناجمة عن أفعال غير قانونية خلال فترة الثورة السورية المجيدة وضرورته الإنسانية نقف وقفة قانونية، إذ تتضح ماهيته وأهميته في المجتمع السوري.
وقال إنه وبالنظر إلى اختصاص محكمة البداية المدنية المنوط بها والذي يمنحها الاختصاص في البت في كافة المنازعات العقارية في فترة الثورة فإن هذا الاختصاص لا يتعارض مع اختصاصها كما ورد في قانون أصول المحاكمات المدنية، لأن اختصاصها يتعلق أصلاً بالمنازعات المدنية بما فيها المنازعات العقارية، ولكن البحث في الاستيلاء غير المشروع أو البحث في الاشكاليات المتعلقة بتملك للعقارات أثناء الثورة السورية قد يحيل المحكمة ألى البت بمسائل جنائية الوصف وعلى سبيل المثال قد يكون هناك تزوير في وثائق ما وتم إنجاز عملية بيع العقار بقرار قضائي فما العمل؟
مضيفاً: فالحكم بالتزوير سيكون من اختصاص المحاكم الجزائية وفسخ قرار قضائي سيكون من اختصاص مرجع الطعن المختص بالطعن بالقرار الذي صدر بناءً على تزوير الوثائق وفي التزوير الذي هو من اختصاص المحاكم الجزائية حيث تقوم محكمه البداية المدنية بإحالة القضية إلى المحاكم المختصة لحين البت في الجرم.
وأردف الدكتور بيطار أنه قد يكون الاستيلاء غير المشروع ناتج عن عملية تتعلق بحيازة العقار أو قسمة رضائية أو قضائية أو تتعلق بصحة عقد أو فسخه أو تتعلق بحق عيني أو أي موضوع ليس من اختصاص محكمة البداية المدنية، وأيضاً يجب أن نبحث ما المقصود بالعقار هنا هل العقار هو فقط العقار كما عرفه القانون المدني السوري (كل شيء مستقربحيزه، ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار)أو يشمل الحقوق العينية العقارية كافة التي يمكن أن تعد عقارات وقد تكون دعاوى هي دعاوى عقارية شخصية ناتجة عن علاقة بين دائن ومدين ولكن هذه العلاقة امتدت لتنال من شرعية تملك العقار فماذا سيكون مصير تلك العلاقة؟ إذا كانت ليست من اختصاص محكمة البداية المدنية.
النفاذ المعجل
ولفت الدكتور بيطار إلى أنه يمكن القول إن تخصيص محكمة البداية المدنية في هذه المنازعة قد لا يخلو من المشاكل القانونية التي ستظهر لاحقاً، فنوع وطبيعة المنازعات والآليات القانونية التي تم بها الاستيلاء على العقار ستفرض نفسها على المحكمة سواء أكانت من اختصاصها أم من غير اختصاصها، فهناك بعض المشاكل التي ستواجه محكمة البداية المدنية عند تطبيق هذا القرار ولكن هذا لا يعني أن القرار المتخذ من قبل وزارة العدل في غير محله بل على العكس هذا القرار في محله وخاصة أنه عمد إلى تقصير المهلة وإلى خضوع الدعاوى لنظام تبادل اللوائح وإلى إكساء القرار صيغة النفاذ المعجل، ومع ذلك لا يمكن القول إن هذه المشاكل يمكن أن تؤدي إلى خلل في عمل المحكمة لأن موضوع الاختصاص وكونه بني على قانون السلطة القضائية وعلى الإعلان الدستوري فهو استوفى شروطه الشرعية وأي إشكال قانوني يعترض اختصاص المحكمة سواء يتعلق بطبيعة ونوع النزاع أو شكله فهي تملك الاختصاص والصلاحية لإحاله أي جزئية بالدعوى إلى المحكمة المختصة ومن ثم استردادها، واستكمال الدعوة حتى البث بها وعليه فالمحكمة توسع من اختصاصها وتكون مختصة في البت بلاختصاص، كما أن هذا القرار له بعد إنساني فهو في محله لجهة أنه يراعي حق اللاجئين والمهجرين بالعودة إلى منازلهم عندما أعطى القرار صيغة النفاذ المعجل في القرارات التي ستصدر عن المحكمة البداية المدنية وهذا يساعد على عودة النازحين والمهجرين إلى منازلهم بأسرع وقت ويشير هذا القرار إلى أن الدولة تسعى جاهدة إلى تطبيق مبدأ سيادة القانون من خلال انتهاج الشرعية في تقرير اختصاص محاكم البداية المدنية في أصعب منازعات عقارية تخوضها هذه المحاكم منذ نشأتها، ولا بد من توسيع اختصاص المحكمة البداية المدنية بما تناسب وضرورة البت في المنازعات العقارية كافة المتعلقة بالاستيلاء غير المشروع في فترة الثورة.