ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلــي قــاســم:
يستدعي الحديث عن قمة بريكس طيفاً واسعاً من المقاربات المباشرة وغير المباشرة، ويستحضر مشهداً تراكميا من الاحتمالات والخيارات، وربما السياقات الإضافية لما آلت إليه العلاقات الدولية، وتبدو جميعها على مسافة واحدة من التفاعل على الحلبة العالمية
وإن تباينت مستويات المواجهة المفتوحة فيها، حيث الفرق هنا لا يتعلق فقط بالمعادلات التي كانت قائمة وما هو مصيرها، بقدر ما يرتبط عضويا بالفهم الغربي وما يستلزمه من ضرورة التعمق في تلك الإرهاصات “الناشئة” على وقع ما يشهده العالم من تأزم وانقسامات حادة يصعب فيها الجمع بين الصيف والشتاء تحت سقف واحد، ويستحيل معها تجاهل ما يجري على مستويات المواجهة الإقليمية والدولية والاعتبارات السياسية التي تحكم تلك المواجهة أو على الأقل تتحكم بمفاعيلها المختلفة.
فمحاربة الإرهاب التي يتمادى الغرب في الاستثمار السياسي بمفرزاتها ونواتجها الأساسية والعرضية، تدفع إلى الجزم بأن الكفة التي رجحت اليوم للأخذ بما تمليه المصالح من وجهة نظر الاقتصاد، لا تزال بعيدة كل البعد عن الإحاطة بتفاعلاتها السياسية، بحكم أن الغرب الذي فقد عوامل مصداقيته هو ذاته الذي يحاول اليوم أن يتلو مقاربته على مشارف المنطقة وخارجها من منظور الاستلاب الكلي والسطوة الغريزية للقوة باعتبارها المتحكم الوحيد بأدوات الفعل السياسي والاقتصادي حتى إشعار آخر، وأن التعبير الدقيق والصحيح عنها يبقى للقوة العسكرية التي تعود لفرض شروطها وإملاءاتها بظروف تنحو نحو التعسف المطلق في أي محاكاة غربية.
المتغير الوحيد الذي تصح فيه المحاججة كان الانقلاب الكلي في معادلات الربح والخسارة والانزياح القسري للمقاربات وصولاً إلى ما اصطلح على تسميته بمعادلة الميدان التي كانت السباقة إلى فرض معاييرها والتي تم اقتباسها من إرادة الجيش العربي السوري وحلفائه في مواجهة الإرهاب وأدواته وأذرعه المختلفة المالية والسياسية والاقتصادية حتى الفكرية والعقائدية على مسرح الميدان الممتد من سورية ومن يؤازرها من حلفاء وأصدقاء، وانقلاب المعايير في موازين وأدوات القوى الموازية لها، حيث هيأت البنية الصحيحة لإعادة إنتاج المشهد الإقليمي والدولي على ضوء حاجة المواجهة وبشروطها.
لم يكن من السهل النظر إلى فكرة بريكس من خارج سياق المنظور العالمي للعلاقات الدولية، وإن كان توقيت القمة لا يخلو من الاستدلال السياسي بالدرجة الأولى، باعتبار أن المشهد السياسي يحتاج للكثير من أجل عودة عوامل التوازن بحدها الأدنى التي افتقدها العالم، وبسط من حولها الكثير من الأحجيات والطلاسم مع التمادي الأميركي في اعادة فرض طقوس ونماذج المواجهة المشتقة من مخلفات الحرب الباردة، مع الإصرار على الاستمرار في المحاولات المحمومة لاستعادة حالة الهيمنة وممارسة أقصى درجات الاستلاب السياسي، وهي تقدم القرينة الدامغة على حاجة العالم الملحة لسد الثغرات المتفاقمة الناتجة عن الاستهتار الأميركي بقواعد الأمن والاستقرار العالميين.
اللافت أن ما تقدمه القمة من خيارات لا ينحو باتجاه الصدام، ولا يندرج تحت التأسيس لجبهة مواجهة بقدر ما يأخذ بالاعتبار مقتضيات الحاجة العالمية لمناخ تتبدل فيه لغة المجابهة وتحل مكانها حسابات واعتبارات الرغبة في التعاون وصولا إلى مشهد عالمي قادر على الأخذ بما تفرضه الحالة العالمية من دون أن تكون المواجهة مستبعدة أو أنها ليست إحدى الأدوات وربما جزء من خياراتها.
بطبيعة الحال لا تغيب عن ذهن المنضوين تحت بريكس أو الطامحين للوصول إليها سلسلة من الاعتبارات المؤثرة، حيث ما كان ملحا في وقت سابق أصبح أكثر إلحاحاً، وما كان ضرورياً بات يتخذ صفة القسرية في الكثير من جوانبه، ولا سيما في ظل الحاجة لتوحيد جهود مكافحة الإرهاب والدعوة لجبهة عالمية لمواجهته، رغم يقينها بأن الغرب لا يزال يراهن على الإرهاب كأحد أذرعه الضاربة، وهي دعوة لن تجد أي صدى لها في أروقة الغرب ومعادلاته السياسية والاقتصادية الداعمة للإرهاب والمعولة عليه، وفي أفضل حالاتها لن تكون أكثر من ورقة للمساومة، وأحياناً يستفاد منها في الترويج السياسي والدعاية الرخيصة!!
تعود مجموعة بريكس إلى الحضور السياسي في وقت تبدو فيه التطورات واحتمالاتها ضاغطة إلى الحد الذي يجعل منها أولوية تتقدم على سواها، مع الإدراك المتزايد بأن بريكس ليست رد فعل أو مجرد إجراء لسد الفراغ الذي سيحدثه غياب السطوة الأميركية وافتقاد الغرب لعوامل هيمنته المطلقة، بقدر ما هي سياق طبيعي لحركة التطور في العلاقات الدولية وبساط لسحب ذرائع الغرب والكثير من مبررات من يقبع في الشرق وهو مشدوه نحو الغرب، باعتبارها تكتل اقتصادي قد يجمع تحت جناحيه فضاء بعوامل قوة متحركة، ويحتاج إلى التعبير عن نفسه سياسيا، ليكون المعادل الموضوعي الإضافي لنظام عالمي جديد تفقد فيه الأحادية القطبية مسوغاتها، وتقدم فيها التعددية مشروعيتها.
a.ka667@yahoo.com