ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلــي قــاســم:
جاءت التطورات الميدانية المتسارعة والتبدلات السياسية العاصفة لترخي بظلالها على المشهد، وتضيف إليه الكثير من التفاصيل المغيّبة والأهم الحقائق المؤجلة، حيث تدفع إلى الجزم بأن ما تحقق من إنجازات ميدانية على امتداد البادية السورية مروراً بأرياف حمص.. وصولاً إلى دير الزور، يضع لمساته النهائية ويغلق الباب على آخر الفصول المدرجة في جدول أعمال داعمي الإرهاب.
الفارق أن القاع قد يتبدل لكن المياه الآسنة هي ذاتها، بدليل أن المبعوث الأممي لا يريد أن يخرج منه، ولا أن يتعلم من تجارب يفترض أنها تصب في سيرته الذاتية، رغم الكم الهائل من القرائن والأدلة، ورغم المتغيرات التي تطيح بكل شيء ما عدا المقاربة الممجوجة التي تبقى في معياره الثابت الوحيد الذي يؤمّن له الاستمرار في موقعه الذي يحتاج إلى إعادة نظر قبل سواه، ومراجعة تبدو أكثر إلحاحاً من غيرها.
وحده السيد دي ميستورا وبعض المراهنين على دوره الوظيفي يصرون على حصاد سراب ما زرعوه من أوهام وهم يغرفون من خارج النص كلما سنحت الفرصة، وعلى اللغو والثرثرة في غير مكان وموضع، ويدخلون في سباق الأكاذيب القصيرة والطويلة وأحياناً في حلبة البحث عن بقايا النتف المنسية من لعبة بيع الأوهام، والتي في أغلبها من خارج الوقت المستقطع لحسابات ومعادلات تجاوزها الزمن منذ وقت طويل، وطواها من دفاتر حساباته، واستبعدها من قوائم فرضياته ومن اللوائح المدرجة في التعليمات المعلبة، التي اعتاد المبعوث الأممي على إعادة استعراض مفرداتها لملء الفراغ الناتج عن فشل رهاناته وإفلاس الكثير من محطات تعويله.
فهو يعلم علم اليقين أن ما تدركه الحكومة السورية وما تعرفه يحتاج هو والكثيرون غيره لعقود وربما قرون كي يستوعبوه، ولا حاجة للتذكير بما آلت إليه جميع مقارباته وحتى خطواته، والأهم مصير وعوده وأكاذيبه القريبة منها والبعيدة، ولا ضرورة أيضاً لإعادة جرد لائحة طويلة من الترهات والأوهام التي باع فيها واشترى من الحساب الأممي وعليه، وخاض في سبيل الترويج لها سباقاً محموماً، ومارس مبازرته الرخيصة على مدار أسابيع وأشهر وامتدت لسنوات كانت تفترض أن يكون قد أخذ علماً بأنها قاصرة ولا تجدي.
حركة الانزياح في الإحداثيات السياسية والميدانية تتسارع وتتبدل على الإيقاع ذاته، وخرائط المواقف والحسابات تترافق على الأغلب بمتغيرات في مشاهد موازية، في ظل مقاربات سياسية تحاول الاستفادة من اللحظة، أو على الأقل تعمل على التقاط طرف الخيط الذي يخفف من وطأة الممرات القسرية التي ستضطر إليها أغلب المواقف، وهي تقوم بعملية مراجعة، أو تقييم في لائحة تطول فيها الشروحات والتفسيرات، وتغرق معها بقية التفاصيل.
التحول النوعي في مسار التطورات الميدانية التي توجت بكسر الحصار عن مدينة دير الزور، لا يقف عند حدود المشاهدات العينية المباشرة، ولا يقتصر على تبدلات جذرية تتسابق عليها قوى وأطراف ودول لتتواءم مع ما يجري، وإنما في سياق الحدث والتداعيات المنتظرة في ظل تعابير سياسية لا تخلو أحياناً من المفارقة اللحظية الناتجة عن تسونامي ميداني وسياسي، لابد أن يفرض معطياته على جميع المقاربات الإقليمية والدولية.
فدير الزور ليست مدينة إضافية، تكسب الرهان من خلال التعويل على إرادة الجيش العربي السوري فقط، ولا هي قطعة من الجغرافيا السورية التي تتحضر لتعود بكل مساحتها وبلداتها ومدنها وقراها إلى الحضن السوري فحسب، بل تشكل منعطفاً في مسار طويل، يحتاج إلى وقفة تأمل طويلة، ويأخذ قسطاً من الشرح المسهب لبعض حيثياته، وما يترتب عليه من تفاعلات إقليمية ودولية، ترتبط أساساً بالأسئلة المشروعة التي تتبادر إلى الذهن حول مصير المشروع الإرهابي كله، برعاته ومموليه وحماته.
كسر الحصار يقدّم بعض الإجابات، وإنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه في مواجهة الإرهاب وتحالفاته، تتكفل بما تبقى من تلك المؤجلة منها، وما يخرج من ترهات هنا وهناك، ليس أكثر من محاولات يائسة لسد فراغ تتسع مساحته، والبحث عن أدوار تتشكل على وقع متغيرات متدحرجة تتبدل فيها الأولويات، وما بقي ليس أكثر من لعب في وقت مستقطع من خارج السياق، لا تنفع فيه محاولة العرج الأممي ولا مساحيق التجميل الغربية، حيث خطوات الجيش العربي السوري ترسم إحداثيات السياسة قبل الميدان، وتضبط الإيقاع الإقليمي والدولي في حضرة التوقيت السوري.
a.ka667@yahoo.com