الثورة – فردوس دياب:
يمثل الشباب اليوم النسبة الأكبر من المجتمع السوري، لذلك باتت قضية تأهيلهم ودمجهم في سوق العمل أولوية وحاجة وطنية، ليس فقط لمعالجة البطالة، بل لبناء اقتصاد قادر على المنافسة إقليمياً ودولياً، لأنهم الطاقة الحقيقية التي يمكن أن تدفع عجلة التنمية والإعمار إلى الأمام، إلا أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها سياسات النظام المخلوع جعلت الحاجة ماسة لبرامج مدروسة تواكب متطلبات سوق العمل وتربط بين المؤهلات الأكاديمية والمهارات العملية.
واجب وطني
حول دور الشباب في بناء الحاضر والمستقبل، وكيفية تأهيلهم وتدريبهم وصقل وتعزيز مهاراتهم ومعلوماتهم وخبراتهم، التقت صحيفة الثورة الباحث في علوم التنمية البشرية والقيادة المجتمعية الدكتور عمر خالد ديبان، والذي استهل حديثه بالقول: إن تعزيز دور الشباب لا يقتصر على توفير فرص التعليم، بل يشمل تدريبهم على المهارات الحديثة المطلوبة في مختلف القطاعات، من التكنولوجيا والمعلوماتية، إلى المهن الحرفية والصناعات الإنتاجية، وصولاً إلى مجالات الخدمات والسياحة.
وأضاف: إن تأهيل الشباب ودمجهم في سوق العمل ليس خياراً ثانوياً، بل هو واجب وطني، وضمانة لنهوض الوطن وبقاءه قوياً قادراً على المنافسة في عالم سريع التغير، فالشباب هم الحاضر النابض، والمستقبل المشرق لسوريا، مشيراً إلى أن الشباب السوري يمثل اليوم العمود الفقري في بناء الدولة السورية، ولاسيما أنها تخطو خطواتها نحو إعادة الإعمار، وبالتالي فهي تحتاج إلى عقول أبنائها وسواعدهم، من خلال سياسات وطنية متكاملة تدعم التعليم المهني والتقني، وتربط مخرجاته بحاجات السوق الفعلية، مع توفير بيئة عمل جاذبة تمنح الشباب الأمل والدافعية.
وأكد الدكتور ديبان على أن التجارب التنموية الناجحة حول العالم، أثبتت أن الاستثمار في الكوادر الشابة هو استثمار طويل الأمد، ينعكس أثره على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، بل ويشكل قوة إيجابية لدفع عجلة التنمية عند تزويدهم بالمعرفة والفرص التي يحتاجون إليها، للوصول إلى سوق العمل الذي يمكن ان يستوعب قدراتهم، فكل شاب مؤهّل ينضم إلى سوق العمل يضيف قيمة إنتاجية، ويساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، ويحد من مظاهر البطالة والهجرة، ويغرس الثقة بالمستقبل.
تحديات وعراقيل
وعن مفهوم التأهيل والدمج، قال ديبان: إن التأهيل هو تزويد الشباب بالمعارف والمهارات العملية، وتدريبهم على أدوات وتقنيات تواكب تطورات سوق العمل، بما يشمل المهارات التقنية والرقمية واللغات الأجنبية، فيما الدمج هو إشراك الشباب فعلياً في النشاط الاقتصادي، عبر فرص عمل تتناسب مع مهاراتهم وتطلعاتهم، بما يحقق لهم الاستقرار المعيشي والنمو المهني.
وأشار الى الأهمية الاستراتيجية لتأهيل الشباب إلى سوق العمل، إذ يسهم في خفض معدلات البطالة من خلال تزويدهم بالمهارات المطلوبة للمهن الحالية والمستقبلية، وتحقيق التنمية الاقتصادية عبر زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل وكذلك تعزيز الابتكار بإطلاق طاقات الأفكار والحلول الإبداعية وتحويل الطاقات الكامنة إلى منتجة بما ينعكس إيجاباً على الدورة الاقتصادية المحلية.
وأوضح الدكتور ديبان، أن هناك مجموعة من التحديات والعراقيل التي تقف أمام الشباب، ولعل أهمها، فجوة التعليم وسوق العمل، ونقصد هنا المناهج النظرية التي غالباً ما تكون بعيدة عن متطلبات المهن الحديثة، وكذلك محدودية الفرص وتكدس الخريجين التي من شأنها أن ترفع معدلات البطالة والذهاب باتجاه العمل غير النظامي، ناهيك عن نقص الخبرة العملية، إذ يواجه الشاب معضلة “لا عمل بلا خبرة ولا خبرة بلا عمل”، بالإضافة الى التطور التكنولوجي السريع، ويتطلب اكتساب مهارات رقمية متقدمة في ظل ضعف برامج التدريب، وهناك انعكاسات اجتماعية ونفسية، حيث البطالة الطويلة تؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس وتراجع الطموحات.
برامج تدريبية
وشدد د. ديبان على مجموعة من الآليات للتأهيل الفعّال للشباب، وهي تطوير التعليم المهني والتقني بما يتوافق مع احتياجات السوق المحلية والدولية، واعتماد برامج التدريب العملي داخل المؤسسات لإكساب الشباب خبرة مباشرة، وتعزيز المهارات الرقمية واللغات لمواكبة التحولات التكنولوجية ودعم ريادة الأعمال وتسهيل إجراءات تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل برامج التوجيه والإرشاد المهني منذ المراحل الدراسية المبكرة.وفيما يتعلق بأدوار الأطراف الفاعلة في تأهيل الشباب وتعزيز دورهم، بين الباحث ديبان، أن من أهم الأدوار هو الدور الحكومي، لجهة وضع سياسات وطنية واضحة، وتقديم الحوافز الضريبية والتشريعية لتشجيع توظيف الشباب، كذلك دور المؤسسات التعليمية لجهة تحديث المناهج وربطها بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وهناك دور هام للقطاع الخاص يتمثل بفتح مجالات التدريب العملي وتوفير فرص العمل المباشرة، هذا بالإضافة إلى دور المجتمع المدني من خلال إطلاق المبادرات الشبابية والمشاريع المجتمعية لتعزيز الدمج الاقتصادي والاجتماعي.
حلول ومقترحاتوذكر بعض الحلول لتعزيز اندماج الشباب، وهي تطوير المناهج التعليمية وربطها بمستجدات السوق العالمية، وإقامة شراكات تدريبية بين الجامعات والقطاع الصناعي والتجاري وتشجيع ريادة الأعمال عبر التمويل الميسر وحاضنات الأعمال، وتمكين الشباب في المهارات الرقمية كالبرمجة، وتحليل البيانات والتسويق الإلكتروني، وإنشاء منصات وطنية للتوظيف والتوجيه المهني تربط بين الخريجين وأرباب العمل، ونشر ثقافة العمل التطوعي لاكتساب الخبرة وبناء شبكات مهنية.وختم د. ديبان حديثه بالتأكيد على أن تأهيل الشباب ودمجهم في سوق العمل ليس ترفاً تنموياً، بل هو حجر الأساس لإعادة بناء سوريا القوية والمنافسة في عالم سريع التغيّر ،فالشباب هم الحاضر النابض والمستقبل الواعد، وعقولهم وسواعدهم هي الركائز التي ستبني جسور الغد وتكتب فصول النهضة السورية الجديدة، وبالاستثمار في هذه الطاقات، يمكن لسوريا أن ترسّخ مكانتها بين الدول الصاعدة وتحقق تنمية شاملة تستوعب طموحات جميع أبنائها.