الثورة- عبد الحليم سعود:
من المعروف أن الممرات الإنسانية هدفها بالدرجة الأولى ضمان خروج المدنيين من مناطق النزاع إلى مكان آمن، أو إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتأثرين بالنزاع، أو إجلاء المرضى والقتلى والجرحى من المناطق المحاصرة، وتتميز بأنها آمنة ومنزوعة السلاح وقد يطبق فيها حظر الطيران أحياناً.
وتنشأ هذه الممرات من خلال اتفاقية بين طرفي النزاع المسلح، وتتم في الغالب بضمان طرف ثالث مثل الأمم المتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
لكن في المقابل يمكن استخدام الممرات الإنسانية لأغراض عدائية حيث تم استغلالها أو استخدامها من قبل أطراف النزاع أو أحد أطراف النزاع لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية، إذ يمكن لأحد أطراف النزاع أن يستخدم الممر الإنساني كغطاء لشن هجوم على الطرف الآخر، أو لتحريك قواته أو معداته العسكرية دون اكتشافها.
وقد يتم استغلال الممرات الإنسانية لتهريب الأسلحة أو المعدات العسكرية إلى مناطق النزاع، ما يزيد من حدة العنف ويطيل أمده، كما يمكن أن تستخدم الممرات أيضاً لتجنيد مقاتلين جدد أو لإرسال مقاتلين إلى مناطق القتال، وقد يستخدم الممر الإنساني كورقة ضغط على الطرف الآخر، أو لفرض شروطه أو لتحقيق مكاسب سياسية.
من الواضح للعيان أن الحالة في الجنوب السوري “محافظة السويداء” لا تنطبق عليها معايير الأمم المتحدة لإقامة مثل هذه الممرات الإنسانية التي تطالب بها جهات خارجة على القانون في المحافظة، لأن محافظة السويداء بالأصل جزء لا يتجزأ من الدولة السورية، وما جرى فيها ليس نزاعاً مسلحاً بين طرفين كما يتم تصويره من قبل بعض الجهات المغرضة، وإنما حالة من حالات فض الاشتباك والنزاع بين أطراف محلية متنازعة، ورغبة حقيقية من الدولة السورية لاستعادة دور المؤسسات في منطقة جغرافية جرى اختطافها من قبل مليشيات خارجة على القانون لها أجندات خارجية وطموحات انفصالية تقوض وحدة وسيادة واستقلال البلاد.
فالحكومة السورية لم تقصر في إرسال المساعدات إلى المحافظة ولم تطبق أي شكل من أشكال الحصار على أبناء المحافظة، بل قامت بإرسال قوافل من المساعدات الإنسانية والفرق الطبية للقيام بدورها الوطني قبل الدور الإنساني، لأن أبناء السويداء كما عبّر السيد الرئيس أحمد الشرع في العديد من المناسبات هم جزء غال من النسيج الوطني السوري، وليسوا في موقع العداوة أو الخصومة، لتتم محاصرتهم أو التضييق عليهم حسب الروايات المجتزأة والمغرضة من قبل بعض الأقلام المشبوهة والجهات ذات المصلحة.
إن طرح موضوع الممر الإنساني في السويداء من بعض الأطراف في المحافظة ينسجم مع الأهداف العدوانية التي يبيتها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتي عبر عنها مؤخراً بالسعي لإنشاء ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى”، ويتسق تماماً مع الكلام الكثير الذي قيل في الفترة الماضية عما يسمى “ممر داوود” الذي يراد له أن يمتد عبر الجنوب السوري برعاية إسرائيلية من الجولان السوري المحتل إلى منطقة شرق الفرات، حيث تسيطر مليشيات قسد الانفصالية التي لا تخفي طموحاتها الانفصالية ورغبتها بالاستقلال عن الوطن الأم سوريا.
إن حل الموضوع الإنساني أو سواه في السويداء هو حل داخلي محض بين الحكومة السورية والفعاليات الشعبية والوطنية في المحافظة، ولا يمكن السماح بتدخلات خارجية تنقل المشكلة من ضفة إلى أخرى وتصعب أي إمكانية لحلها، ولذلك أعربت الحكومة السورية عن رفضها القاطع لأي ممر إنساني عبر الحدود، معتبرة أن تقديم المساعدات الإنسانية يتم حصراً بالتنسيق المباشر مع مؤسسات الدولة في العاصمة دمشق.
إن الممر الإنساني الوحيد الذي ينبغي أن تتضافر كل جهود المجتمع الدولي على إقامته حالياً، هو الممر الإنساني إلى قطاع غزة، حيث يعيش حوالي مليوني فلسطيني جائع تحت حصار صهيوني خانق، حيث لا دواء ولا ماء ولا غذاء ولا مستشفيات، في الوقت الذي تستمر فيه أبشع أنواع المجازر الإسرائيلية اليومية بحق المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، حيث لا يمكن للمجرم في لحظة ارتكابه أبشع الجرائم بحق الإنسانية أن يرتدي عباءة الإنسانية، أو أن يكون جزءاً من حالة إنسانية في سوريا أو أي منطقة من العالم.