الثورة – فؤاد الوادي:
بعد الحديث عن ممر إنساني مزعوم عبر الحدود، تتضح الصورة أكثر أكثر، ويتفكك المشهد في السويداء بتراتبية أحداثه وتواترها، ليغدو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، حيث المشاريع والدعوات الانفصالية المعلنة عند البعض، باتت تؤكد ما هو أبعد من الآني، إلى الممنهج والمنظم الذي كان يتحين اللحظة لاقتناص الفرصة لينهش في جسد الوطن.
ضمن هذا السياق التراتبي للأحداث جاءت المطالبة بـ” ممرات إنسانية ” بين السويداء وكيان الاحتلال الإسرائيلي، لتستكمل وتنفذ الخطة الإسرائيلية الجاهزة والموضوعة مسبقاً لتقسيم وإضعاف سوريا، فيما سارعت أطراف عربية وإقليمية ودولية، لفضحها وكشفها ورفضها، لأنها تهدف صراحة إلى جعل الدولة السورية بلا أدنى مقومات وجودها وقوتها وتأثيرها ودورها، سواء على المستوى الداخلي، أم على المستوى الخارجي، وهذا الرفض عبرت عنه الأردن ولبنان والعراق ودول الخليج، بالإضافة إلى تركيا، وفرنسا وألمانيا، والولايات المتحدة وعبر مبعوثها الخاص توماس باراك.
من هنا، كانت الأهداف والغايات والأجندات التقسيمية والتخريبية واضحة منذ اللحظات الأولى لتحرير سوريا من النظام البائد، عند إسرائيل من جهة، وعند المطالبين بالانفصال من جهة ثانية، وبقدر ما كانت مطالبات ودعوات البعض من أبناء السويداء ببتر جزء أصيل من الوطن، بقدر ما كان الحسم والرفض قاطعاً وجامعاً عند الكثير من أبناء المحافظة و “المكون الدرزي” بشكل عام والذي كان مواكباً ومتسقاً مع موقف الدولة السورية، التي اعتبرت هذا الأمر تهديداً وجودياً مباشراً لوحدة أرضها ومصير شعبها، وهذا ما أكدته دمشق بالأمس على لسان مصدر حكومي عندما قالت بأنه لن يكون هناك ممر إنساني عبر الحدود، وبأن تقديم المساعدات الإنسانية يتم حصراً بالتنسيق المباشر مع مؤسسات الدولة في العاصمة، وذلك حرصاً على ضمان وصولها بشكل آمن ومنظّم إلى جميع المستحقين بما في ذلك محافظة السويداء وغيرها من المناطق.
كما أكدت دمشق بأنها منحت المنظمات الأممية المختصة التسهيلات والموافقات اللازمة للقيام بمهامها الإنسانية، في وقت تواصل فيه القوافل الوطنية والإغاثية السورية عملها بشكل منتظم بما يعكس التزام الدولة السورية بتأمين الاحتياجات الإنسانية.
“الممرات الإنسانية”، تكون عندما يُراد منها إدخال المساعدات الإنسانية، وليس إدخال وتمرير المخططات والمشاريع التقسيمية التي تستهدف بنية الدولة وركائز وجودها، ولاسيما إذا كان الطالب والمطلوب، أبعد ما يكون عن الحديث عن الإنسانية والضمير والرحمة، فالأول (الطالب) تسبب بقتل المئات من أهلنا في السويداء نتيجة تبعيته وعمالته وعدائه لوطنه وأهله، والثاني (المطلوب) وهو كيان الاحتلال الذي لا يحق له الحديث عن الإنسانية والأخلاق مطلقاً، في ضوء وحشيته واحتلاله ومجازره التي يواصل ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني منذ نحو ثمانية عقود.
الرد السوري على الممر الإنساني عبر الحدود، كان واضحاً، وهو الرفض المطلق لهذا الأمر، وهذا الرفض المطلق، كان حاضرا وواضحا في اجتماع عمان 12 الجاري وبحضور سوري وأميركي، حيث أكدت الأطراف الثلاثة على دعم عملية إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدتها وعدم التدخل بشؤونها، وتلبي طموحات شعبها.
وأكّد المُجتمِعون أن محافظة السويداء بكل مجتمعاتها المحلية جزء أصيل من الجمهورية العربية السورية، محمية ومحفوظة حقوق أبنائها في مسيرة إعادة بناء سوريا الجديدة نحو مستقبل منجز آمن لكل مواطني الدولة السورية، وبما يضمن تمثيلهم وإشراكهم في بناء مستقبل سوريا.
ورحّبت المملكة الأردنية والولايات المتحدة في الاجتماع بخطوات الحكومة السورية المتمثلة، بإجراء التحقيقات الكاملة ومحاسبة كل مرتكبي الجرائم والانتهاكات في محافظة السويداء، إضافة إلى استعدادها التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المعنية وإشراكها بمسار التحقيق بالجرائم والانتهاكات التي ارتُكِبت، وزيادة دخول المساعدات الإنسانية لجميع المناطق في محافظة السويداء وتعزيز تدفقها، بما يشمل التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية، وتكثيف عمل المؤسسات الخدمية لاستعادة الخدمات التي تعطّلت جراء الأحداث في المحافظة، وبدء عمليات إعادة تأهيل المناطق التي تضرّرت من الأحداث التي شهدتها المحافظة، والترحيب بإسهامات المجتمع الدولي المستهدفة تلك الجهود، وإسناد الحكومة السورية في جهود عودة النازحين لمناطقهم، والشروع بمسار المصالحات المجتمعية في محافظة السويداء، وتعزيز السلم الأهلي، والتعبير عن ترحيبها بإسناد ودعم المملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأميركية بهذا الصدد.
كما أن “اجتماع عمان” قد حمل العديد من الرسائل المهمة التي تقاطعت جلها نحو توافق عربي وإقليمي ودولي لدعم وحدة وسيادة واستقرار الدولة السورية ورفض كل مشاريع الانفصال والتقسيم.