ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحري علـي قـاسم:
لا يكاد الجيش العربي السوري يحقق إنجازاً نوعياً على الأرض، حتى تنبري الكثير من المنابر الإعلامية والعديد من الأصوات السياسية وتسابقها في ذلك مراكز البحوث الاستراتيجية وغير الاستراتيجية إلى الترويج لمقولة التفاهمات التي ينسب إليها كل ما تحقق،
أو في الحد الأدنى – كما يسوّق- مساهمتها فيه بهذا القدر أو ذاك، أو في أضعف الإيمان التأثير في الطريقة أو الأسلوب، وتطول قائمة المترادفات الموازية لها.
في التجربة.. وعلى مدى سنوات عديدة وفي سلسلة من التجارب المديدة، لم يكن لتلك التفاهمات وجود إلا في خيال البعض، وفي كثير من الأحيان كانت أقرب إلى التمنيات منها إلى الواقع، وفي نموذج ثالث كانت عبارة عن تحليلات وتفسيرات للاستهلاك السياسي والإعلامي أو لحفظ ماء الوجه، حيث برزت على السطح جملة من الإشكالات القائمة في الترويج لها على قاعدة أن هذه التفاهمات الحاصلة تشكل البوابة والحاضنة لكل ما نتج عنها، حتى إن البعض لا يتردد في البناء عليها لقراءة أي تطور.
وفي المعطيات.. لم تكن تلك التفاهمات أكثر من رسم افتراضي سرعان ما تدحضه التطورات الميدانية، بل إن بعضهم شكا من تلك التطورات التي كانت تتجاوزه بمسافة كبيرة، وكان يقضي الكثير من الوقت والجهد من أجل اللحاق بها، حيث الرسم الميداني للتطورات كان يحدث المفاجأة تلو الأخرى، وبعضها لا يكتفي بقلب المعادلات السياسية وإنما بصياغة معادلات تحاكي التطورات الجديدة وتعلن براءتها مما سبقها.
بهذه المعايير.. كان ما ينسب إلى لغة التفاهمات «السرية والعلنية» واحدة من المفاعيل المسكوت عنها للتبرير حيناً.. و للتذرع بصعوبة الفصل بين التطورات الصاعقة على أكثر من اتجاه حيناً آخر، أو تفسير سطحي للأحداث غير المفصلية في ثالث، لكنها على الدوام كانت بعيدة عن الحقيقة، وتتناقض مع مجريات الأحداث، بدليل أن العمل الميداني لم يخضع في أي وقت من الأوقات لحسابات تلك التفاهمات، ولم تستطع مختلف التجاذبات أن تعدّل في مساره، ولا أن تؤخر أو تقدم في مجرياته.
الأهم أن «الخطوط الحمر» كانت تطويها التطورات الميدانية من دون أن يترتب عليها أي استدلال على تلك التفاهمات، وغالباً ما كانت تستخدم وتوظف لإيجاد شروط جديدة تتجاوز تلك الخطوط وتصبح من المنسيات، ولم يترتب عليها أي انعكاسات تشي بأن هناك ما يمكن الوقوف عنده، أو أنه تم القفز فوقه، حيث كانت التطورات الميدانية المقياس الوحيد الصالح للأخذ به والبناء عليه، وما عدا ذلك ليس أكثر من مبالغات واستنتاجات وتحليلات.. وفي أقل الحالات توهمات.
يضاف إلى ذلك أن المؤشرات العامة لم تكن تنحو بذلك الاتجاه على الإطلاق، وإنما تكاد تجزم بأن حدود ومساحة التفاهمات المفترضة غائبة تماماً وغير منظورة ولا يمكن ترجمتها، وليس هناك ما يؤكدها على أرض الواقع، وأن أقصى ما يمكن تحقيقه في ظل هذه المعطيات، كان إدارة قواعد الاشتباك، وتنظيمها على أسس من خارج تلك التفاهمات، حيث الأميركي في أغلب الأحيان كان يغرب بوجهه عن تلك التفاهمات لأنه غير مهيئٍ لها ولا يمتلك الأهلية لذلك، فكان يهرب منها إلى الأمام بعدم الالتزام تارة.. وممارسة العدوان المباشر لنجدة مرتزقته وإرهابييه تارة أخرى، ولغياب الجدية في ثالثة.
على هذا الأساس فإن أي تفاهم يقوم على قاعدة بسيطة واضحة وجازمة، وهي اجتثاث الإرهاب، وما عدا ذلك لا يمكن صرفه لا في السياسة ولا في الميدان، ولا يحتمل القسمة أو الاجتزاء، حيث الفصل بيّن والاختلاف واضح، فالتفاهم الوحيد الممكن هو في محاربة الإرهاب، أما الغمز من قناة الإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري أو تحميل التفاهمات غير ما هو فيها، فلا محل له من الإعراب في خطوات تتحقق، وتُفاجئ من يريد أن يُفاجأ أو من يتمنى أو يرغب في اصطناع المفاجأة، لأن هذه الإرادة التي نراها في كل بقعة من الأرض السورية وفي كل مواجهة مع الإرهاب، تبقى هي المعيار.
بدعة «التفاهمات» ستبقى سيلاً يجرف معه الكثير من التحليلات والاستنتاجات ويرمي بكثير من الأوراق المحترقة، ويزرع أوهاماً يتمناها البعض ليحاور في سبيلها ويحاجج في غير موضع عليها، ويناصب العداء والتجهيل لمن يشكك فيها، لكنها تبقى افتراضاً لا أثر له، وتمنيات تحاكي تلك الأوهام، فما حققه ويحققه الجيش العربي السوري بدعم من حلفائه وحده الحقيقة التي لا تقبل الشك ولا التأويل، سواء تفاهموا عليها أم تفهّموها، وسواء رضوا بذلك أم لم يرضخوا للأمر الواقع، فجميعهم سيأخذ بها ولو بعد حين أو بعد طول انتظار.
a.ka667@yahoo.com