الثورة – علا محمد:
لم يكن طريق العلم سهلاً يوماً، لكن الأصعب أن يتحول الحلم الأكاديمي إلى عبء ثقيل تحمله على كتفيك لسنوات طويلة، كثيرٌ من الموفدين السوريين الذين غادروا وطنهم بعهدة رسمية ليعودوا بشهادات عليا تخدم بلدهم، وجدوا أنفسهم اليوم في مأزق لا يشبه أي مأزق آخر، قراراتٌ مؤجلة، قوانينٌ قاسية، ووعودٌ ينتظرون ترجمتها إلى أفعال، هؤلاء الموفدون تواصلوا مع صحيفة الثورة، علّ أصواتهم تصل إلى الرأي العام والمسؤولين، مؤكدين أن قضيتهم ليست مطلباً فردياً بل جرحاً جماعياً يطول شريحة واسعة من شباب سوريا المثقف.
وبحسب الموفدين، سنوات الحرب والأزمات السياسية والاجتماعية أثقلت كاهلهم، ما جعلهم يواجهون تحديات قانونية وإدارية ومالية معقدة أدت إلى توتر العلاقة بين الدولة وأبنائها، وأصبح العفو الرئاسي مطلبهم، ليشمل الموفدين المحكومين أو المقيدين مالياً، مؤكدين أنهم لم يرفعوا الصوت رفضاً للدولة، بل دفاعاً عن العدالة والحق في العودة.
بداية الأمل وخيبة الطريق
أوضح الموفدون للثورة أن المرسوم الذي صدر في يونيو 2025 معلناً عن تسوية أوضاع الموفدين، كان من المفترض أن يمثل نقطة انطلاق لإغلاق ملف عمره أكثر من 14 عاماً، لكن الموفدين وصفوا الرد الأول على المرسوم بـ “الحذر”، مؤكدين أنه لم يعالج القصور السابق وكان في جوهره نسخة عن مراسيم قديمة، وأغفل الواقع السياسي والاجتماعي الجديد لسوريا بعد سنوات الحرب، كما أشاروا إلى افتقاره للمرونة والعدالة اللازمة لتسوية أوضاعهم بشكل حقيقي.
بالمقابل اعتبرت وزارة التعليم العالي أن المرسوم يهدف إلى تسوية شاملة للأوضاع القانونية والمالية للموفدين، وأن الوزارة ستتعاون مع جميع الجهات لضمان تطبيقه وفق القوانين المعمول بها، إلا أن البيان الرسمي بدا متحفظاً على بعض المطالب، مثل تمديد فترات العودة أو استثناء حالات خاصة، ما زاد من شعور الموفدين بعدم الشمولية، كما أشاروا إلى ضرورة النظر في العفو الرئاسي عن الموفدين المحكومين أو المقيدين مالياً.
أرقام تكشف حجم الإحباط
وفي محاولة لتوضيح حجم الإحباط، أجرى الموفدون للثورة استطلاع رأي علمي بين شريحة واسعة منهم، وأظهرت النتائج أن 63% غير مشمولين بالمرسوم، بينما أكد 69.8% أن شروط العودة غير واقعية، ووصف 78.7% أداء وزارة التعليم العالي بأنه “غير مقبول”، في حين طالب أكثر من 99% بـالعفو الرئاسي عن الموفدين المحكومين أو المقيدين مالياً.
وبين الموفدون أن وزارة التعليم العالي لم تقم بأي تعديل جوهري استجابة للانتقادات ما عزز شعورهم بالإحباط، وهو ما نقلوه مباشرة إلى صحيفة الثورة، فبعد انتظار طويل، صدرت التعليمات التنفيذية رقم 12، وأدى ذلك إلى رد فعل شديد الحدة لدى الموفدين الذين عبروا عن استيائهم، معتبرين أن تحديد مهلة سنة واحدة للعودة غير واقعي واستثناء شريحة كبيرة من الموفدين دون تفسير كافٍ، كما أشاروا إلى وجود ثغرات قانونية وإدارية تتناقض مع نص المرسوم، بما في ذلك مراجعة التعليمات بعد انتهاء صلاحية المرسوم.
في حين ذلك أوضحت وزارة التعليم العالي أن التعليمات التنفيذية جاءت لتطبيق المرسوم بدقة، وأن أي تمديد أو تعديل يتطلب موافقة رسمية من الجهات العليا، ومع ذلك، لم يخفف هذا التوضيح من إحباط الموفدين الذين أكدوا استمرارهم في إيصال صوتهم ومطالبهم، بما فيها مطالبتهم بالعفو الرئاسي، مؤكدين شعورهم بالإقصاء والارتباك الإداري.
رفض قاطع ومطالب واضحة
الموفدون وفي بيانهم الثاني، أعلنوا رفضهم الكامل للمرسوم 97 والتعليمات التنفيذية رقم 12، محملين الوزارة مسؤولية أي نتائج سلبية محتملة، مطالبين بإلغاء التعليمات وإعادة صياغة مرسوم شامل يعكس العدالة والمساواة، مع وقف الإجراءات المالية والقضائية ضد الموفدين وكفلائهم، وضمان حرية الحركة والتسوية العادلة لجميع الموفدين، واحترام الخيارات الوطنية والأخلاقية وعدم معاقبتهم على مواقف سابقة، بالإضافة إلى العفو الرئاسي عن الموفدين المحكومين أو المقيدين مالياً.
وأكد بيانهم أن استمرار التجاهل سيؤدي إلى مزيد من النفور وفقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، مع التأكيد أن رفع الصوت جاء لضمان وصول هذه المطالب، بما فيها العفو الرئاسي، إلى القيادة والرأي العام بشكل مباشر.
الخلفية القانونية والإنسانية
تستند مطالب الموفدين إلى عدة عناصر، تشمل عقود الالتحاق الأصلية والحقوق المترتبة عليها، وحالات القوة القاهرة بسبب الحرب وظروف النزوح القسري، إضافة إلى التفاوت في التزامات الكفالات بين الموفدين، مع ضرورة مراعاة مبدأ المساواة والعدالة المنصوص عليه في الدستور.
وقد أظهر التسلسل الزمني للملف أن كل خطوة جديدة دون تعديل جوهري تعيد إنتاج الأخطاء القديمة وتزيد الشعور بالإحباط، كما أوضح الموفدون اليوم، يقف الموفدون عند مفترق طرق، إما أن تستجيب الدولة لمطالبهم العادلة عبر قرار سياسي جريء يعالج الملف بشكل جذري، أو أن تستمر الأزمة، ما قد يؤدي إلى خسارة جيل كامل من الكفاءات الوطنية الضرورية لإعادة بناء سوريا.
الوزارة تتجاوب سريعاً
تواصلت صحيفة “الثورة” مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لوضعها في صورة القضايا التي أثيرت من قبل الموفدين، وجاء الرد الرسمي سريعاً، مؤكداً اهتمام الوزارة بمصير الموفدون، حيث أوضح معاون الوزير لشؤون البحث العلمي، الدكتور غيث ورقزوق، أن هناك إعداد مسودة مرسوم ثان يهدف إلى شمول جميع الموفدين بما يضمن حقوقهم ويشجع على عودتهم، كما تعمل لجنة وزارية على تسهيل عودة الطلاب من خلال دراسة جميع الحالات بعناية، يعكس هذا التحرك السريع حرص الوزارة على الاستجابة لمطالب الموفدين وتعزيز ثقتهم بالجهات الرسمية.
رد الوزارة يظهر حرص الحكومة على متابعة الملف والعمل على تذليل العقبات، ما يفتح نافذة أمل أمام الموفدين السوريين لتحقيق حقوقهم الأكاديمية والوطنية. يبقى التحدي في ضمان شمولية الإجراءات وتطبيقها على أرض الواقع، والواضح أن هناك اهتماما حقيقيا بالاستماع والعمل على حلول عادلة.