الثورة :
كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في تقرير موسع أن سوريا تشهد منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي تحولاً غير مسبوق في مسارها، بعد إعلان الرئيس أحمد الشرع حرباً شاملة على تجارة المخدرات التي ازدهرت في عهد نظام الأسد البائد وحوّلت البلاد إلى مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون.
أوضحت الصحيفة أن تجارة الكبتاغون مثّلت العمود الفقري لاقتصاد نظام الأسد خلال الحرب، حيث درّت نحو 5 مليارات دولار سنوياً، وجعلت سوريا من أكثر دول العالم إنتاجاً لهذه المادة، واعتُبر ماهر الأسد، شقيق الإرهابي الفار بشار الأسد، المسؤول المباشر عن تدفقات العائدات غير المشروعة لتمويل آلته العسكرية.
وبحسب شهادات ضباط سابقين، فإن الكبتاغون كان متجذراً حتى داخل بنية الجيش، حيث استخدم الضباط الحبوب في إطعام الجنود أو خلطها في الشاي والمعجنات بهدف رفع القدرة على التحمل أو مواجهة الجوع، في مشهد يعكس عمق تغلغل هذه التجارة في مؤسسات النظام.
أشار التقرير إلى أن الحرب التي أطلقها الرئيس أحمد الشرع ضد تجارة المخدرات أسفرت خلال الأشهر الثمانية الماضية عن تراجع يقدّر بنحو 80% في إنتاج الكبتاغون وتهريبه. كما تمكّنت السلطات من مصادرة أكثر من 200 مليون حبة منذ مطلع العام وحتى آب/ أغسطس، في واحدة من أوسع الحملات التي شهدتها البلاد.
وأبرز النجاحات تمثلت في استدراج واعتقال وسيم الأسد، ابن عم بشار الأسد، المتورط بشكل مباشر في شبكات التهريب والمدعوم من حزب الله، حيث أُلقي القبض عليه أثناء محاولته استعادة مبالغ ضخمة من الأموال وسبائك ذهب مخبأة قرب الحدود.
ورغم النجاحات، ترى الصحيفة أن إنهاء تجارة المخدرات أصعب بكثير من إطلاق الحرب ضدها، وهو ما أثبتته تجارب دول أمريكا اللاتينية.
فشبكات التهريب لا تزال قادرة على التكيّف، وتعمل عبر فراغات السلطة أو مناطق خارجة عن سيطرة الدولة مثل الشمال الشرقي الخاضع للإدارة الكردية، والجنوب السوري حيث تنشط شبكات مرتبطة بعشائر بدوية وبقايا النظام السابق.
كما أن بعض الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران لا تزال تتحكم في شبكات التهريب عبر الحدود مع العراق، في حين تشكّل السويداء، حيث شهدت اشتباكات طائفية مؤخراً، ساحة رخوة تستغلها هذه الشبكات.
تقرير “فايننشال تايمز” شدد على أن تجارة الكبتاغون في سوريا لم تكن مجرد مشكلة محلية، بل تحولت إلى أزمة إقليمية مع وصول الحبوب المصنعة في عهد الأسد إلى أسواق الخليج، وحتى إلى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ما أثار غضباً واسعاً لدى دول الجوار.
وأشار محللون إلى أن الطلب على المخدرات لم يتراجع، وأن الحبوب الرخيصة لا تزال متوافرة في دمشق بسعر لا يتجاوز 30 سنتاً، بينما تباع النسخ ذات الجودة الأعلى بما يصل إلى 30 ضعفاً في الأردن والسعودية والإمارات.
وأكدت الباحثة كارولاين روز، رئيسة مشروع تجارة الكبتاغون في معهد “نيو لاينز” للأبحاث، أن ما بعد سقوط نظام الأسد لم يشهد نهاية لهذه التجارة كما توقّع البعض، بل أظهرت الشهور الماضية أن تفكيكها سيستغرق وقتاً طويلاً، إذ أن البنية التي تركها النظام السابق كانت عميقة ومتشابكة.
وختم التقرير بالتأكيد على أن الحكومة السورية الجديدة تواجه تحدياً مركباً: ملاحقة أباطرة المخدرات، تطهير مؤسساتها الأمنية من الفساد، وضمان عدم تجدد شبكات التهريب التي ورثت الامبراطورية الأسدية، وهي معركة لا تقل خطورة عن الحرب التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية.