ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تأخذ الاصطفافات السياسية موقعها ودورها داخل الحيز السياسي للتطورات وتؤدي دورها في الشق الميداني، بحكم ما تفرضه من ضوابط محسوبة وملزمة،
التي تخضع لحساسية عالية تجاه المؤثرات الناتجة عن المتغيرات في المقاربات السياسية الناتجة عن تدوير الزوايا الذي تشهده السياسة الأميركية، التي تشغل حتى اللحظة الجزء الأكبر من الافتراضات، وتأخذ المشهد في اتجاهات صادمة على المستويين الإقليمي والدولي في قراءات متباينة وأحياناً متعاكسة لجملة الخيارات القادمة.
فالارتباط العضوي بين التطورات الميدانية والقراءات السياسية يبدو في حل من الاعتبارات التي تفرض التلازم في العلاقة بين الطرفين، بدليل أن الغوطة تستكمل مسيرة عودتها بغض النظر عمّا تؤول إليه المتغيرات في المشاهد السياسية، بل إنها تفرض الإيقاع على مجمل المتغيرات السياسية المرتبطة داخل المشهد وخارجه، حيث الجزء الأكبر من تلك التبدلات يحصل على وقع ما يجري من كنس للإرهاب تؤشر معطياته الواضحة إلى أنه لن يتوقف عند حدود الغوطة، بقدر ما يفتح بوابات الخيارات على امتداد الجغرافيا السورية.
وبانتظار أن تنجلي الصورة الدقيقة للحسابات والمعادلات الناشئة، تأخذنا الحالة الافتراضية إلى واقع الصراع الذي يتشكل بأبعاد ثلاثية مركبة.. وأحيانا شديدة التعقيد، حيث المشهد على مستوى المواجهة مع التنظيمات الإرهابية يحتل الجزء الأكبر إلا أنه في الوقت ذاته يؤثر في شكل الصراع ومحتواه على المستوى الاستراتيجي الأعم، انطلاقاً من البدهية التي تحاكي واقع هذا الصراع بشقيه الإضافيين: الإقليمي والدولي وما يماثلهما من صراع يحتدم بين التنظيمات الإرهابية ذاتها، وتواتر عوامل الصدام بين المشغِلين الإقليميين، وصولاً إلى المجابهة التي تأخذ أحياناً شكل صراع إقليمي دولي بأبعاد أكثر وضوحاً.
فالمواجهة الفرنسية التركية ليست فقط اختلافاً على مراكز النفوذ على التنظيمات الإرهابية، ومحاولة استباقية لسد فراغ قد يحصل بعد التلويح الأميركي بالانسحاب، وإنما صراع ناتج عن الأطماع بصيغتها الاستعمارية، التي بدت وليدة العلاقة الهشة بين المرجعيات والأدوار وحجم ما هو مسموح وذلك محظور، حتى في العرف الأميركي، على قاعدة أن الانتقادات الفرنسية لتركيا لا تنبع من الحرص الفرنسي بقدر ما تعكس رغبة في لعب دور يعوّض جزئياً على الأقل الغياب المحتمل للأميركي، والتشظيات التي ستنتج، بحكم أن هذا التعويض يفوق قدرة الأكثرية ويتجاوز بكثير طاقة النظام التركي.
المعضلة أن عدوى الصراع هنا لا تنتقل إلى التنظيمات الإرهابية بشكل تلقائي فحسب، بل تقتضي في الحد الأدنى انتشار الصراع والمواجهة.. وصولاً إلى المعارك والاقتتال الداخلي أفقياً وعمودياً على مستويين مختلفين ما يضع الحسابات والمعادلات القائمة مجردة من أي معنى ومن أي استدلال، في ظل شعور يهيمن على أغلب القراءات السياسية بأن دورات عجلة التفوق الميداني ستحرق ما تبقى من أوراق لدى الدول المشغِلة، كما هو الحال بالنسبة للراعية دولياً، وهذا ما ينسف على الأقل كل ما يتم تداوله من تغييرات في المواقف والسياسات، على الأقل في المقاربات الآنية التي يتم اللعب فيها وعليها.
المحسوم بأن مساحة انتشار الإرهاب تتقلص.. مع فارق نوعي وقيمة مضافة في السياسة والميدان وأوراق الدول المشغِلة تكاد تصل حد الإفلاس، فيما الدول الراعية تحافظ حتى اللحظة على مستويين أساسيين من السياسة المعتمدة، أولهما يتعلق باستمرار بيع الأوهام لكثير من المرتزقة، والثاني يرتبط بدفع المشغِلين الإقليميين نحو مقاربة تشبه الانتحار السياسي مع ما يترتب على ذلك من حسابات ومعادلات تؤجل مؤقتاً مؤشرات الانهيار في المشروع الإرهابي، وتعيد ترتيب أوراقه بانتظار جولة جديدة من المواجهة لا تقتصر على مسرح الأحداث الإقليمي، بل تشمل لعباً تحت الطاولة وفوقها على المستوى الدولي، وافتعال الأزمات كما يحصل في قضية العميل سكريبال.
a.ka667@yahoo.com