ثورة أون لاين- أسعد عبود:
بعد حرب حزيران، أوجدت الهزيمة الأكيدة المفاجئة المذلة، أدبها.. وعرف بأدب الهزيمة، وفي هوامشه على دفتر الهزيمة كتب الشاعر السوري الراحل نزار قباني:
أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة.. والكتب القديمة.. أنعي لكم.. كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة..
أنعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة..
طبعاً هذا اقتباس من القصيدة (القديمة) بحكم ما مرّ علينا بعد ذلك الزمن من هزائم لا يستطيع أن يتصورها العقل.
مشكلتنا اليوم ليست محصورة بالفكر الذي قاد إلى ما نحن عليه.. حيث انتصاراتنا هي جهد مبارك لوقف زحف الهزائم… وبالتالي ليس ما نعيشه ونراه ونلمسه في كل محيطنا العربي وفي سورية تحديداً – وهي أكثر ما يهمني – بهزيمة تقل عما عرفناه يوم حزيران الأغبر.
ما نواجهه اليوم هو أولاً انتكاسة عظمى في حياتنا المعاصرة.. انتكاسة سياسية.. اجتماعية.. اقتصادية.. صحية.. كل شيء.
وهو من جانب آخر تطور تجاوز كل إمكانات أن ينتظرنا الزمن..
فإذا كان حزيران قد طرح علينا قبل نصف قرن تلك الأسئلة المتعلقة بثقافتنا ودورها في الهزيمة.. ما الذي يطرحه علينا الحال اليوم..؟؟!!
كل قضايانا اليوم في مأزق.. ويهددها الانهيار الكامل.. ابتداء من القضية الفلسطينية التي بشكل ما، لمتنا من حولها لعقود وعقود.. لنتبعثر من حولها يوم تقدمت رايات الخراب والعقول المثقوبة، لتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق.. ومروراً بوهم الحلم بالوحدة العربية.. أو حتى بتضامن عربي مزيف خجول.. حتى هذا أصبح حلماً منكسراً أو وهماً زائلاً.. حروب.. خراب.. تدمير.. قتل.. وطوفان دم..
هل يبقي ذلك كله قيمة لفكرنا الموروث والمقتبس والمعدل ليناسب عقولنا..
رغم ذلك قضيتي مع اللغة القديمة.. والكتب القديمة.. والفكر القديم ليست لهذا وحسب..
قضيتي.. قضيتنا التي أتصورها.. وتفرضها علينا الحياة التي نعيشها.. هي في حياتنا الحديثة.. لغتنا الحديثة.. فكرنا الحديث.. وإعلامنا الحديث..
هذه ليست أبداً دعوة لمحاربة أو محاولة تحجيم أي من ذلك.. بل هي دعوة لإدراكه كحقيقة يومية نعيشها كل دقيقة..
نحن اليوم نتوجه للملايين من البشر.. كل من فيهم إعلامي.. كل من فيهم ناقد.. كل من فيهم محلل.. كل من فيهم متواصل مع محيطات وبحور للمعلومات والمثيرات والآراء والتحليلات.. ونحن ننفخ عليهم بالقرب المثقوبة القديمة إلى درجة الاهتراء..؟!
هي ليست أبداً مجرد قضية إعلامية تنتهي بتطوير وسائل الإعلام عندنا أو تغيير خطابها.. هي قضية علمية ثقافية اجتماعية سياسية.. تبدأ من كونها قضية تربوية.. التعامل معها بالأدوات القديمة والأفكار المتعبة.. ستوصلنا إلى الأخطر الذي لا نتوقعه.. كما أوصلنا الفكر الذي قاد إلى الهزيمة..
طوبى للذين يبحثون عن جديد لنا.. في العلم.. في الفن.. في الأدب والثقافة.. في الإعلام والخطاب.. في كل شيء.. وبوركت جهودهم..
as.abboud@gmail.com