إلغاء قانون قيصر.. بداية صفحة جديدة في الرياضة السوري 14 مليون دولار مجمّدة تتحرّر من قيود الفيفا الكرة السورية تستعد لركلة البداية من جديد
الثورة – أحمد حاج علي:
لم يكن القرار الأمريكي الأخير القاضي بإلغاء ” قانون قيصر” ورفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا حدثاً سياسياً فحسب، بل شكّل نقطة تحوّل فارقة في المشهد السوري عموماً، والرياضي خصوصاً، إذ مثّل إعلاناً واضحاً عن نهاية مرحلة قاسية عاشتها البلاد تحت حكم النظام الأسدي السابق، وبداية عهد جديد بعد تحرير سوريا وقيام النظام الوطني الجديد الذي يسعى لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مختلفة.
من قيود السياسة إلى انطلاقة الرياضة
قانون قيصر الذي فُرض عام 2020 جاء نتيجة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام الأسدي بحق الشعب السوري، وتحوّل لاحقاً إلى أحد أبرز أسباب العزلة الاقتصادية والرياضية التي أصابت البلاد بالشلل.
فعلى مدى خمس سنوات، كانت العقوبات سبباً مباشراً في تجميد أكثر من 14 مليون دولار من أموال الاتحاد السوري لكرة القدم لدى الاتحاد الدولي “فيفا”، وهي مبالغ مخصّصة ضمن برامج التطوير العالمية FIFA Forward، لدعم مشاريع البنى التحتية وتأهيل الملاعب وتطوير الكوادر الفنية والتحكيمية.
ومع سقوط النظام القديم وتحرير البلاد، ثم صدور القرار الأمريكي بإلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات، انفتحت الأبواب مجدداً أمام الرياضة السورية لتتنفس بحرية وتبدأ عملية التعافي بعد سنوات من الانكماش والتجميد.
إعادة إعمار رياضي تبدأ من الملاعب
مصادر خاصة في الاتحاد السوري لكرة القدم أكدت لـ«الموقف الرياضي» أن اتصالات رسمية بدأت بالفعل مع الاتحاد الدولي “فيفا” لاستكمال الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لفك التجميد وتحويل المبالغ خلال الفترة القريبة المقبلة.
وتشير المعلومات إلى أن الخطة الأولية تتضمن توجيه جزء من الأموال نحو إعادة تأهيل الملاعب الرئيسية في دمشق وحلب واللاذقية ودير الزور، إضافة إلى تحديث مقرات الاتحاد والفروع الرياضية وتطوير برامج التحكيم والتدريب.
كما سيتم تخصيص نسبة معتبرة من المبلغ لدعم المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها عبر معسكرات خارجية ومباريات ودية استعداداً للاستحقاقات المقبلة.
الأندية على موعد مع انتعاش مالي
العقوبات الاقتصادية السابقة لم تؤثر فقط على الاتحاد، بل امتد أثرها إلى الأندية المحلية التي عانت من نقص الموارد وصعوبة استقدام المحترفين والمدربين الأجانب، إضافة إلى حرمانها من الدعم الدولي.
ومع رفع العقوبات وعودة الأموال المجمدة، ينتظر أن تشهد المرحلة المقبلة انتعاشاً اقتصادياً ملموساً يسمح بتحريك عجلة الاستثمار الرياضي، وفتح الباب أمام الأندية لإعادة ترميم منشآتها وتحديث ملاعبها وتجهيزاتها.
ويرى مختصون أن جزءاً من هذه الأموال سيُخصّص لإنشاء صناديق دعم خاصة بالدوري الممتاز والفئات العمرية، بما يسهم في تخفيف الأعباء المالية وضمان استمرارية النشاط الكروي في عموم المحافظات.
البعد الدولي و رمزيته
إلغاء قانون قيصر يحمل في جوهره رسالة واضحة تعكس عودة سوريا الجديدة إلى المشهد الدولي بعد أن كانت معزولة لسنوات طويلة.
فقد تسببت العقوبات سابقاً في شل التعاون بين الاتحاد السوري لكرة القدم والاتحادين الآسيوي والدولي، وأوقفت برامج التطوير والدورات التدريبية واستضافة البطولات.
أما اليوم، ومع الانفتاح الدولي وعودة العلاقات الرسمية بين سوريا والمجتمع الدولي، يتوقع أن تُستأنف برامج التعاون الدولي في مشاريع البنية التحتية، ودعم كرة القدم النسائية، والمدارس الكروية، وتأهيل الكوادر الوطنية الشابة.
كرة القدم السورية تستعيد أنفاسها
من الواضح أن استعادة الأموال المجمدة ستكون الركيزة الأساسية لمرحلة جديدة من الإصلاح والتحديث في الرياضة السورية.
فهي لا تعني فقط ضخ السيولة، بل تمثّل عودة الثقة الدولية بالمؤسسات الرياضية السورية، وإقراراً ضمنياً باستقرار الأوضاع وبدء مسار إعادة الإعمار الشامل الذي يشمل الرياضة كأحد رموز الحياة المدنية.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد تطور إداري أو مالي، بل تحوّل رمزي يعبّر عن نهاية حقبة من العقوبات والظلم السياسي والرياضي، وبداية زمن جديد تُبنى فيه المؤسسات على أساس من الشفافية والاستقلالية الوطنية.
كما يُنتظر أن تنعكس هذه الانفراجة على أداء المنتخبات الوطنية واستعداداتها للتصفيات الآسيوية المقبلة، بعد سنوات من المعاناة اللوجستية والمالية التي حدّت من قدرتها على المنافسة الإقليمية والدولية.
من زمن العقوبات إلى زمن الإعمار .. الرياضة السورية تكتب فصلاً جديداً من تاريخها.
إن عودة الحياة إلى كرة القدم السورية بعد إلغاء قانون قيصر تشبه إلى حد كبير عودة النبض إلى قلبٍ أُنهك بالحصار.
فالرياضة، مثل الوطن، لا تموت، بل تنهض حين تتاح لها الفرصة من جديد.
اليوم، ومع زوال العقوبات وبزوغ فجر الدولة السورية الجديدة، تعود كرة القدم السورية لتبدأ من جديد – برؤية مختلفة، وبروحٍ منفتحة، وبإيمانٍ أن ما خُنق لسنوات لن يُطفأ بعد الآن.