إلغاء “قيصر” كسرَ القيد… فهل تنكسر الأسعار؟

 الثورة – علا محمد: 

حين أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية الأصوات إلغاء “قانون قيصر”، لم يكن الخبر عادياً في شوارع دمشق، بل أشبه بجرس خفيف أيقظ في الناس فكرة أن الحصار قد يتصدع أخيراً، وأن دورة الاقتصاد ربما تعود للحياة.

لكن بين الرجاء والخبرة الطويلة في الترقب، يسود شعور بالانتظار المشوب بالأسئلة: هل يكفي إلغاء القانون كي تنخفض الأسعار وتعود السلع إلى وفرتها؟ أم إن الطريق ما زال طويلاً ويحتاج إلى إرادة داخلية لا تقل أهمية عن القرار الخارجي؟.

 خطوة تزيل الحاجز

يصف المتخصص في الهندسة المالية والنمذجة الاقتصادية في جامعة “نورث إيسترن” بلندن الدكتور مازن ديواني، لصحيفة “الثورة”، الحدث بأنه خطوة اقتصادية كبيرة لأنها تزيل حاجزاً كان يمنع التعاملات المالية والتجارية مع سوريا.

فالقانون الذي شكّل لسنوات سيفاً مسلطاً على أي جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو تستثمر في قطاعات محددة، كان السبب في تجميد التحويلات وعرقلة الاستيراد وتوقف الاستثمارات.

ومع إلغائه، تنفتح الأبواب أمام عودة الأموال والسلع والاستثمارات، بل وإعادة إعمار البنى التحتية، إلا أنه رغم ذلك، لا يرى د. ديواني في الإلغاء نهاية لكل العقوبات الدولية، بل بداية لمسارٍ طويل يستدعي وقتاً وصبراً.

 انعكاسات تطرق الأبواب

تبدو آثار القرار، وفق رؤيته، تدريجية لا فورية، لكنها ملموسة في المدى المنظور، فتوفر المواد الأساسية، وتحسن إمدادات الطاقة والوقود، ودخول الأدوية والمعدات الطبية، كلها مؤشرات على بداية تحسن معقول.

غير أن انعكاس ذلك على المعيشة لن يتحقق إلا إذا استطاعت الحكومة استغلال الفرصة واتخاذ إجراءات إصلاحية موازية، وهنا تظهر العلاقة بين الانفتاح الخارجي والقدرة الداخلية على التحرك في الاتجاه نفسه.

 القطاعات المستفيدة أولاً

في تفاصيل التحليل، يرى الخبير الاقتصادي أن أول القطاعات المستفيدة ستكون الطاقة عبر استيراد النفط ومعدات توليد الكهرباء، ما يحسن الإمداد الكهربائي والوقود، يليها القطاع المصرفي الذي سيستعيد حيويته بعودة التحويلات والمعاملات الدولية، ثم الاستيراد والتجارة حيث تعود السلع الأساسية والاستهلاكية والمواد الخام بكميات وأسعار أفضل.

أما الاتصالات والتكنولوجيا فستشهد دخول تقنيات كانت محظورة، بينما يشكّل الإعمار الوجه الأوضح لجذب الاستثمارات وإحياء المشاريع المجمّدة منذ سنوات.

بهذا، تبدأ رحلة التعافي من المولّد إلى المصرف، ومن السلعة إلى الأمل.

 بين الأسعار والرقابة

رغم التوقعات الإيجابية، يربط الخبير انخفاض الأسعار بعودة المنافسة وتفعيل الرقابة الحكومية، فزيادة المعروض وحدها لا تكفي، لأن الأسواق بحاجة إلى ضبط يمنع الاحتكار ويكبح الجشع التجاري، بينما القدرة الشرائية فلن تتحسن تلقائياً، إذ تتطلب نمواً في الإنتاج المحلي وخلق فرص عمل واستقراراً في سعر الصرف، فحتى مع انخفاض الأسعار، قد يبقى المواطن مثقلاً بضعف الدخل إن لم تتكامل حلقات الإصلاح الاقتصادي من الداخل.

 بطء محسوب..وخطا واثقة

لا يتحدث د. ديواني بلغة الانفراج الفوري، بل يراها مرحلة انتقالية تحتاج وقتاً، فالشركات والمستثمرون سيقيمون المخاطر قبل العودة، والبنية التحتية تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، والنظام المصرفي مطالب بإصلاحات تعيد كفاءته في التعامل مع العالم الخارجي، ويشير إلى أن تلك الأسباب، إلى جانب استمرار عقوبات أخرى وتعقيدات سياسية، تجعل التحسن بطيئاً لكنه ثابت الاتجاه، وقد تظهر نتائجه الأولية خلال أشهر، على أن يتبلور الأثر الحقيقي خلال عام أو أكثر.

  مفتاح الطريق

في الداخل، تبدو الأولويات واضحة، كما يحددها الخبير، تحفيز الإنتاج المحلي، منع الاحتكار، استقرار الليرة بسياسات نقدية حكيمة، محاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة، إصلاح البنية التحتية وتطوير القطاع المصرفي.

هذه ليست شعارات، بل مفاتيح ضرورية لتحويل الإلغاء إلى فرصة فعلية تلمسها الناس في معيشتهم اليومية.

 نبض الشارع

في أسواق دمشق وريفها، الترقب سيد الموقف، طارق البشير، تاجر خضار في برزة، يضع الأمر ببساطة: “الناس تنتظر انخفاض الأسعار كأنها تنتظر المطر”، مبيناً إدراك الجميع أهمية الرقابة الجدية ليستقر السوق، بينما ترى ميسون درويش، معلمة من ريف دمشق، أن الخبر أعاد شيئاً من الأمل المفقود، وتقول: “إذا فعلاً رجعت المواد والأدوية بأسعار معقولة، يمكن نحس أن الحصار فعلاً تراجع”.

في حين يعتبر سالم ناصر، صاحب ورشة ألمنيوم، أن ما يهمه ليس الخبر بل التنفيذ: “المواد الأولية غالية، وإذا رجع الاستيراد طبيعي بيخف الضغط علينا كلنا”، من جهته يرى محمد الرفاعي، موظف في شركة خاصة، أن التحسن الحقيقي يحتاج وقتاً وصبراً: “الأسعار ما بتنزل بين يوم وليلة، بس يمكن نبدأ نحس بالفرق بعد كم شهر”.

بينما هبة عبد الجواد، طالبة جامعية تتحدث بلغة جيلها: “ما بدنا وعود، بدنا شغل على الأرض، نشتغل ونحس أنه في تغيير حقيقي بجيبتنا”.

الأشهر القادمة.. اختبار الإرادة

بين التحليل الاقتصادي ورأي الشارع، تتقاطع المؤشرات نحو مرحلة اختبار جديدة، إذ يرى الدكتور مازن ديواني أن الأشهر القادمة ستكون المعيار الحقيقي، فإما أن يتحول القرار إلى انطلاقة اقتصادية فعلية، أو يظل بصيص الأمل معلقاً بانتظار إصلاح داخلي لا يحتمل التأجيل، وحتى ذلك الحين، يبقى الشارع السوري يراقب، بعينٍ على الأسعار وأخرى على النوايا.

آخر الأخبار
لغة الإشارة .. كباقي اللغات تحتاج الصبر والأناة حين يصبح الحاضر وسيلةً للنجاة من عبء التفكير تلاميذ المدارس في الظلام.. الحكومة أمام اختبار أزمة التوقيت الشتوي! "الموظف العام" شريك في تحقيق التنمية خارطة جديدة لأكشاك العاصمة الكهرباء والنفط مفتاحا التعافي بلدية الذيابية تستعد للشتاء.. أعمال مكثفة رغم التحديات قطاع الشحن .. لم يستعد عافيته بعد إزالة العقوبات وحدها لا تصنع نهضةً إن لم تُرفق بإصلاحات داخلية استعادة الحقوق المصادرة.. مشهد يختصر الفارق بين دولة القانون ونظام الفساد وزير الطوارئ: قرار حظر الأسلحة الكيميائية تحول نوعي يؤكد التزام سوريا بالسلام المرأة.. بين شعارات التمكين وواقع التأثير مبادرة "السويداء منّا وفينا" تجمع السوريين حول هدف البناء البرتغال تخطف فوزاً قاتلاً بهدف من أيرلندا ورونالدو يهدر ركلة جزاء بوادر التحول... من الدبلوماسية إلى الإعمار إلغاء "قيصر" كسرَ القيد... فهل تنكسر الأسعار؟  الريال السعودي.. يعبر نحو دمشق   جسر جوي جديد يُنعش الروابط السورية- الليبية حلب تحت وطأة الغلاء.. الرواتب تتبخر والأسعار تلتهم جيوب المواطنين أغلب الأميركيين يؤيدون سحب قوات بلادهم من سوريا والعراق