حين يصبح الحاضر وسيلةً للنجاة من عبء التفكير

الثورة-مها دياب:

العيش في الحاضر ليس أمراً بديهياً كما يظنه البعض، بل هو مهارة يفتقدها كثيرون ممن يجدون أنفسهم أسرى الماضي أو ضحايا القلق من المستقبل، وبينما تتسارع وتيرة الحياة وتزداد الضغوط النفسية، يصبح التوازن الذهني تحدياً يومياً. من هنا، تبرز أهمية فهم الأسباب النفسية التي تدفعنا للابتعاد عن اللحظة الراهنة، والبحث عن أدوات عملية تساعدنا على استعادتها.

تقول الاختصاصية النفسية لبنى حاجي إن العيش في اللحظة هو تدريب ذهني يحتاج إلى وعي، وليس مجرد قرار عابر، والانشغال بالماضي أو المستقبل غالباً ما يكون نتيجة لتجربة مؤلمة أو خوف داخلي متراكم، فالعقل يعود للماضي في محاولة لفهم ما حدث أو لتجنب تكراره، كما يحدث مع من يراجع حواراً سابقاً بحثاً عن خطأ ارتكبه. وفي حالات أخرى، يكون التعلّق بالماضي نتيجةً للندم، أو الخوف من المستقبل بسبب مسؤوليات كبيرة، و الخوف من ارتكاب أخطاء أيضاً تدفع البعض لتوقع الأسوأ، وخاصة من نشأ في بيئة مليئة بالنقد أو القلق. وتزداد هذه الأنماط لدى من يعاني من اضطرابات مثل القلق العام أو الاكتئاب.

تأثير يومي

وتشير إلى أن العيش خارج اللحظة ينعكس مباشرة على المزاج والعلاقات والإنتاجية، فالشخص الذي يفرط في التفكير بعد مناسبة اجتماعية قد يعاني من اضطراب النوم، والطالب الذي ينشغل بالنتائج قبل الدراسة يفقد تركيزه. العلاقات أيضاً تتأثر حين يُفسّر الكلام بشكل سلبي، وتظهر أعراض جسدية مثل الصداع والشدّ العضلي واضطراب القولون. أما الإنتاجية فتتراجع عندما تستهلك الطاقة في التخيلات بدل العمل الفعلي.

تمارين حسّيّة

توضح حاجي أن التمارين الحسّيّة تساعد على إعادة الانتباه من دوامة التفكير إلى الحواس، فعندما تكون الأفكار مشغولة بالسيناريوهات السلبية، يمكن للتمرين الحسي أن يوجه العقل نحو ما هو ملموس ومباشر، مثال النظر إلى الأشياء المحيطة، الاستماع للأصوات، لمس الأدوات، شمّ الروائح، وتذوق شيء بسيط، كلها خطوات تعيد الشخص إلى اللحظة الراهنة وتخفف من التوتر. وتضيف أن الامتنان يغير زاوية النظر من النقص إلى الوفرة. فالشخص الذي يواجه أزمة مالية ويكتب يومياً ثلاثة أمور يشعر بالامتنان تجاهها، يبدأ تدريجياً برؤية الصورة بشكل أكثر توازناً. فالمشاكل لا تختفي، لكنها لا تبقى وحدها في المشهد، بل تظهر إلى جانب النعم التي كانت موجودة ولم تلاحظ.

وعي وتأمّل

وتشير الاختصاصية حاجي إلى أن الوعي اللحظي هو مهارة عيش اللحظة، بينما التأمل هو التمرين الذي يدرب عليها. عندما تركز فتاة على طعم ورائحة قهوتها، فهي تمارس الوعي اللحظي، وعندما تخصص وقتاً للتنفس العميق، فهي تمارس التأمل. هذه المهارات تستخدم في العلاج المعرفي السلوكي، لكنها لا تكفي وحدها في الحالات النفسية المعقدة مثل الاكتئاب الشديد أو اضطراب ما بعد، وتوضّح أن العيش في الحاضر أثناء الأزمات مثل الحرب أو النزوح يتطلّب خطوات بسيطة لكنها فعالة، فالروتين اليومي يمنح شعوراً بالأمان، وتقليل متابعة الأخبار يخفف من التوتر، والانخراط في مجتمع داعم يساعد على تجاوز الشعور بالوحدة. هذه الأدوات لا تلغي الألم، لكنها تمنح مساحة للتنفس وسط الضغوط.

ضغط اقتصادي

وتقول حاجي إن الظروف الاقتصادية الصعبة تغذي التفكير القلق بالمستقبل، فرب الأسرة الذي لا يملك عملاً يفكّر يومياً في كيفية تأمين احتياجات عائلته، وهذا التفكير طبيعي، لكنه إذا تجاوز الحدّ يتحوّل إلى عبء نفسي يعوق القدرة على إيجاد حلول ويزيد من الشعور بالعجز. وتشير إلى أن الإعلام قادر على تحويل مفاهيم مثل الوعي اللحظي والامتنان إلى ممارسة جماعية، من خلال برامج قصيرة تبث تمارين تنفس، أو قصصاً واقعيةً لأشخاص تجاوزوا القلق، أو تحديات جماعية تشجّع على كتابة الامتنانات اليومية، يمكن للإعلام أن يوجه الناس نحو خطوات عملية بدل الاكتفاء بوصف المشكلات.

فرق التفكير

وتؤكد حاجي أن الفرق بين التفكير الإيجابي بالمستقبل والقلق المفرط يكمن في وجود خطة عملية، فالطالبة التي تقول إنها ستدرس ساعتين يومياّ تشجّع نفسها، بينما التي تكرر سيناريوهات الفشل تشلّ قدرتها على الدراسة، لأن التفكير الإيجابي مرتبط بهدف واضح، أما القلق فهو أفكار سوداوية بلا حل.

تختم الاختصاصية حاجي بالقول إن الحاضر هو المساحة الوحيدة التي نملكها لنصنع فيها أثرنا، والماضي مضى ولا يمكن تغييره، والمستقبل لم يأت بعد، لكن اللحظة الراهنة هي فرصتنا الحقيقية للحياة. فمن يدرّب نفسه على الامتنان والوعي اللحظي وضبط التفكير، يكون أكثر قدرة على مواجهة الحياة بأقل الخسائر. وكما يقال: اليوم هو الغد الذي كنت تخشاه بالأمس.

آخر الأخبار
نائب وزير الاقتصاد: سلامة العاملين أولوية قصوى لا يمكن التهاون بها  حملة فنية لتجميل الجدران العامة في دمشق تركيا: على "قسد" أن تسلم أسلحتها فوراً من دون قيد أو شرط في تصعيد مفاجئ.. أفغانستان تعلن انتهاء عمليتها الانتقامية ضد باكستان ماذا لو خرقت "إسرائيل" وقف إطلاق النار؟ الاتحاد الأوروبي يطبق نظاماً جديداً للقادمين والمغادرين اتّفاق غزّة بين ضغط ترامب وألاعيب اليمين الإسرائيلي المتطرف الليرة أولاً... هل يفتح رفع القيود باب الثقة من جديد؟ بين التعصّب والانفتاح على دمشق.. سيناريو النهاية مع "قسد" الجفاف يهدد موارد سوريا.. و"الطوارئ" تطالب باستجابة عاجلة للإنقاذ مركز الملك سلمان للإغاثة يسير 10 سيارات إسعاف للصحة السورية عدّة جهات تتسابق للدخول بالسوق المصرفية السورية لاعب بحجم وطن.. مازن فندي أستاذ دولي بلعبة الشطرنج عودة الأمل للأسواق مع إلغاء «قيصر» لغة الإشارة .. كباقي اللغات تحتاج الصبر والأناة حين يصبح الحاضر وسيلةً للنجاة من عبء التفكير تلاميذ المدارس في الظلام.. الحكومة أمام اختبار أزمة التوقيت الشتوي! "الموظف العام" شريك في تحقيق التنمية خارطة جديدة لأكشاك العاصمة الكهرباء والنفط مفتاحا التعافي