الثورة – حسان كنجو
قد يبدو لمن يتابع الأحداث الأخيرة، أن الوضع بين “قسد” والحكومة السورية، سيستمر في مستوى تصعيده كأسواق البورصة دون حل نهائي، ولاسيما في ظل التقلبات في التعاطي مع هذا الملف، التقلبات المتراوحة بين اتفاقية واجتماعات تارةً، وتصعيد يصل لحد الاشتباك والقصف المتبادل، وهنا يتبادر للذهن سؤال واحد فقط: إلى متى وما هي نهاية هذا الأمر؟.
فبعد الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها حلب فجر الثلاثاء الماضي، عادت قنوات التواصل من جديد بين “قسد” والحكومة السورية، لتثبت أن المجال أمام مسارات التفاوض ما يزال مفتوحاً، وأن الطاولة ما زالت وسيطة بين الأطراف.
منذ توقيع اتفاق مارس/آذار الماضي ببن “قسد” والحكومة السورية، طفت بوادر الانقسام داخل كيان “قسد” إلى السطح، صفحات معتدلة قد لا تدعو للانفتاح على دمشق بشكل علني، لكنها ذات خطاب معتدل يدعو للحلول السلمية القائمة على التفاهمات، وفي الجانب الآخر صفحات أخرى تهاجم الحكومة السورية، وتتهمها بالنيل من الكرد وسلب حقوقهم وطمس هويتهم.
من هنا، بات من الواضح أن “قسد” لا تفاوض دمشق ككيان واحد، ومن يفاوض في دمشق (مظلوم عبدي) لا يملك زمام الأمور كاملةً، ولا صلاحيات له لدرجة أن يفرض اتفاقاً ما على كامل شمال وشمال شرقي سوريا، خاصة وأن التركيبة الديمغرافية لقسد، هي تجميعة من أعراق وجنسيات مختلفة، ومن يتسلم رأس الهرم ليسوا جميعاً من السوريين، بل غالبيتهم (عابرون للحدود) ليس إلا.
انقسامات تُضعف إمكانية التفاوض
يقول الباحث السوري والخبير في الشأن السياسي فراس حاج يحيى لـ الثورة: إن الانقسامات تُضعف قابلية التفاوض كما تزيد تكلفة أي اتفاق، فـ “قسد” لا تمثل كل الأكراد أولاً، كما أن العرب يشكلون أغلبية التكوين الديمغرافي في “قسد” ، بالتالي هذه جوانب لا ينبغي إغفالها عند الحديث عن لحظة الحسم النهائية.
توزّع القرارات بين “قسد ومسد” (مجلس سوريا الديمقراطية) والإدارة الذاتية، يعني وجود مستويات مختلفة للسيطرة والقرار، والتي وإن بدت موحدة في ظاهرها، لكنها في جوهرها تشتت السيطرة الفعلية وفقاً لـ حاج يحيى، مؤكداً أنه رغم توزع القرار يبقى القرار الفعلي بيد التيار العسكري – الأمني المتصل بشبكات الدعم الخارجي وحزب العمال الكردستاني وقيادته العابرة للحدود، فيما التيار المحلي البراغماتي أكثر استعداداً للتفاهم مع دمشق.
وتابع: “كلّما تعزّزت مرجعية الدولة، ومُنح دور لباقي الأحزاب والتيارات الكردية، وفُتحت خطوط تواصل مع المكونات المتعددة في الجزيرة السورية من عرب وآشور وسريان، هذا سيزيد بدوره من فرض تراجع نفوذ الخط المتشدد داخل “قسد” نفسها، لصالح التيار الذي يراعي المصالح الوطنية لسوريا قبل أي اعتبار آخر”.أميركا بين الدعم والضغطمؤخراً، بات الدور الأمريكي (الوسيط) بين “قسد” والحكومة السورية أكثر حزماً، فرغم أن التصريحات الأمريكية لطالما وصفت “قسد” بالحليف، إلا أن تصريحات المبعوث الأمريكي توماس باراك حيال الاتفاق باتت واضحة، الأمريكيون يدفعون بقسد نحو الاتفاق، بل وقد يمارسون ضغوطاً هنا وهناك لإنجاحه، فيما يبدو أن السياسة الأمريكية تسعى لكسب كلا الطرفين (الحكومة وقسد) ضمن هيكلية واحدة.الأمر نفسه الذي يؤكده حاج يحيى، الذي يرى أن تحركات “قسد” وسياستها مرهونة بالدعم الأمريكي، لكنها مرتبطة أكثر بحدود هذا الدعم، مشيراً إلى أن واشنطن تدير توازنات ولا تمنح شيكات مفتوحة وفق تعبيره.
ويرى حاج يحيى أن الرسالة الأميركية المتكررة لـ “قسد”، تدعو لتسريع الاندماج مع مؤسسات الدولة كطريق للاستقرار، لا التعويل على حماية دائمة، أما تركيا ومصالحها القومية في هذا الملف هي من سيرجح طريقة الحل النهائية، وبالتالي هذا الملف سيُحل بتوافق أميركي- تركي.سواءً اتفقنا أم اختلفنا على شخصية مظلوم عبدي القائد العام لقسد، إلا أن توجهاته الأخيرة وتصريحاته التي باتت أقل حدّة بكثير من ذي قبل، تنمّ عن توجهه للانفتاح على دمشق وتوقيع اتفاق بطريقة أو بأخرى، توجهه الأخير والفوري إلى دمشق للقاء وزير الدفاع والتوصل لاتفاق عاجل لوقف إطلاق النار، بعد ساعات من الاشتباكات على أطراف الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، تُترجم عن رضى وسعي إيجابي لـ عبدي تجاه اتفاق آذار وتنفيذه.
فالرجل وفقاً لرؤية الباحث فراس حاج يحيى، يلوّح بالانفتاح على دمشق لتحسين موقعه التفاوضي مع واشنطن والعكس صحيح، ولكن المعيار الفاصل ليس التصريحات بل خطوتان عمليتان، تتمثل الأولى منهما بتسليم إدارة المعابر والسلاح الثقيل لسلطة الدولة وربط التشكيلات بوزارة الدفاع، معتبراً أن أي خطوات أخرى دون ذلك، تُبقي رسائله في موقع (كسب الوقت) ليس إلا. السيناريو النهائي والبداية من حلب
أحداث فجر الثلاثاء الأخيرة في حلب ساهمت في تعقيد الموقف، لكن الخيارات النهائية تبقى محط نقاش وتفاوض، والتي ستمثل مدينة حلب بدايتها، حل معضلة أحياء الأشرفية والشيخ مقصود يقوم على معادلة (لا جُزُر أو مربعات أمنية داخل المحافظات)، والتبعية الأمنية والإدارية فيهما، يجب أن تكون موحدة وبيد محافظة حلب وأجهزتها.
تقييد حركة المدنيين مؤخراً، يُفهم كإجراء مؤقت لأسباب ميدانية أو أمنية، لكنه لا يُبرّر دوماً وفقاً لـ حاج يحيى، معتبراً أن الحل المستدام هو تسوية ميدانية تُنهي الازدواجية: نقاط شرطة وقاطع خَدَمي تابع للدولة من أبناء الحيين، وتنظيم السلاح ضمن هياكل الدولة، مع ضمانات إنسانية للحفاظ على سلامة المدنيين وتدفق الخدمات.
أما على الصعيد العام بين الحكومة و”قسد”، فالحل على الغالب سيكون تسوية اندماجية تدريجية، عبر توحيد القيادة والسلاح تحت مظلة الدولة، مقابل ترتيبات إدارية – تنموية محلية لا تمسّ بوحدة السيادة، وهو الاتجاه الواقعي الذي تعمل عليه الحكومة السورية حالياً وفقاً لـ حاج يحيى، وأي بدائل خارج هذا الإطار (إدارة موازية – سلاح مستقل)، سيكون غير قابل للاستمرار سياسياً أو قانونياً.